للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وملك على البلد رجلا من أهل بيته يقال له: أطفين، وهو الذي يسميه أهل الأثر العزيز فأمر أن ينصب له في قصر الملك سرير من فضة يجلس عليه، ويغدو فيه، ويروح إلى باب الملك، ويخرج العمال والكتاب بين يديه، فكفى نهراوش، ما خلف ستره، وقام بجميع أموره، وخلاه للذته، فانغمس نهر أوش في لهوه، ولم ينظر في عمل، ولا ظهر للناس حينا، والبلد عامر، وهو لا يسأل عن شيء، وعمل له مجالس من زجاج ملوّن، وحولها ماء فيه أسماك مفرطة وبلور ملوّن، فكان إذا وقعت عليه الشمس، ظهر له شعاع عجيب، وعملت له عدّة منتزهات على عدد أيام السنة، فكان كل يوم في موضع منها، وعمل له في كل موضع من الآنية والفرش ما ليس لغيره، فاتصل بملوك النواحي تشاغله بلذاته، وتدبير أطفين.

فسار ملك من العماليق يقال له: أبو قابوس عاكر بن ينحوم إلى مصر، ونزل على حدودها، فجهز إليه العزيز جيشا عليه قائد يقال له: بريانس، فأقام يحاربه ثلاث سنين، فظفر به العمليقيّ وقتله، وهدم الأعلام والمصانع، وقوي طعمه في البلد، فاجتمع الناس إلى قصر الملك، واستغاثوا، فخرج إليهم وعرض جيوشه، وخرج في ستمائة ألف مقاتل سوى الأتباع، فالتقوا من وراء الحوف، وكان بينهما قتال شديد، فانهزم العمليقيّ، وتبعه نهراوش إلى حدّ الشام، وقتل خلقا من أصحابه، وأفسد زروعهم، وأشجارهم، وحرّق وصلب، ونصب أعلاما على الأماكن التي وصلها وزبر عليها، أنى لمن تجاوز هذا المكان بالمرصاد.

وقيل: إنه بلغ الموصل، وضرب على أهل الشام خراجا، وبنى عند العريش مدينة لطيفة، وشحنها بالرجال، ورجع إلى مصر، فحشد من جميع الأعمال جنودا، واستعدّ لغزو ملك الغرب، وخرج في سبعمائة ألف، فمرّ بأرض البربر، وأجلى كثيرا منها، وجهز قائدا في السفن من ناحية رقودة إلى جزائر بني يافث، فعاث فيها، وخرج من ناحية أرض البربر، فقتل وصالح بعضهم على مال حملوه إليه، ومضى إلى إفريقية وقرطاجنة، فصالحوه على مال، ومرّ حتى بلغ مصب البحر الأخضر إلى بحر الروم، وهو موضع أصنام النحاس، فأقام هناك صنما زبر عليه، اسمه، وتاريخ خروجه، وضرب على أهل تلك النواحي الخراج، وعدّى إلى الأرض الكبيرة.

وسار إلى الأندلس، فحاربه ملكها أياما، ثم صالحه على مال وأن يمنع من يغزو مصر من ناحيته، وانصرف على غير البحر مشرّقا في بلاد البربر، فلم يمرّ بأمّه إلا ودخلت في طاعته، ومرّ في الجنوب، فقتل خلقا وبعث قائدا إلى مدينة على البحر الأسود، فخرج إليه ملكها، وذكر له حال الريان ومصالحة الملوك له، فقال: ما بلغنا أحد قط، وسأله القائد عن البحر هل ركبه أحد قط؟ فقال: ما يقدر أحد على ركوبه، وربما أظله غمام، فلا يرى أياما.

<<  <  ج: ص:  >  >>