فشكره العباس رضي الله عنه على ذلك، وقال: وصلت رحمك، وقد اختلف في السنة التي فرض فيها عمر رضي الله عنه الأعطية ودوّن الدواوين فقال الكلبيّ في سنة خمس عشرة، وحكى ابن سعد عن عمر الواقدي: أنه جعل ذلك في سنة عشرين. قال الزهريّ: وكان ذلك في المحرّم سنة عشرين من الهجرة، وقيل: لما فتح الله على المسلمين القادسية، وقدمت على عمر رضي الله عنه الفتوح من الشام جمع المسلمين، وقال: ما يحلّ للوالي من هذا المال، فقالوا: جميعا. أما الخاصة، فقوته وقوت عياله لا وكس وشطط، وكسوته وكسوتهم للشتاء والصيف، ودابتان إلى جهاده وحوائجه وحملانه إلى حجته وعمرته، والقسم بالسوية، وأن يعطي أهل البلاد على قدر بلادهم ويرم أمور الناس بعد، ويتعاهدهم في الشدائد والنوازل حتى تنكشف، ويبدأ بأهل القيء ثم يجوزهم إلى كل مغلوب ما بلغ الفيء.
وقال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما: لما افتتحت القادسية، وصالح من صالح من أهل السواد، وافتتحت دمشق وصالح أهل الشام. قال عمر رضي الله عنه للناس:
اجتمعوا فأحضروني علمكم فيما أفاء الله على أهل القادسية وأهل الشام، فاجتمع رأي عليّ وعمر رضي الله عنهما أن يأخذوه من قبل القرآن فقالوا: ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى
[الحشر/ ٧] يعني: من الخمس فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ
يعني: من الله الأمر وعلى الرسول القسم وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ
ثم فسروا ذلك بالآية الأخرى التي تليها:
لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ
[الحشر/ ٨] الآية، فأخذوا أربعة الأخماس على ما قسم عليه الخمس فيمن بدىء به، وثنى وثلث وأربعة أخماس لمن أفاء الله عليه المغنم، ثم استشهدوا على ذلك بقوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ
[الأنفال/ ٤١] الآية من تلك الطبقات الثلاث وأربعة أخماس لمن أفاء الله عليه، فقسم الأخماس على ذلك، فاجتمع على ذلك عمر وعليّ، وعمل به المسلمون بعد ذلك، فبدأ بالمهاجرين ثم الأنصار ثم التابعين الذين شهدوا معهم، وأعانوهم ثم فرض الأعطية من الجزاء على من صالح، أو دعا إلى الصلح من حرابة فردّه عليهم بالمعروف، وليس في الجزء أخماس الجزء لمن منع الذمّة، ووفى لهم ممن ولي ذلك منهم، ولمن لحق بهم، فأعانهم بأسوة إلا أن يواسوا بفضله عن طيب أنفس منهم، من لم ينل مثل الذي نالوا.
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال عمر رضي الله عنه: إني مجيد المسلمين على الأعطية ومدوّنهم ومتحرّي الحق، فقال عبد الرحمن بن عوف وعثمان وعليّ رضي الله عنهم: ابدأ بنفسك، قال: لا أبدأ إلا بعم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم الأقرب فالأقرب منهم من رسول الله، ففرض للعباس، وبدأ به، ثم فرض لأهل بدر خمسة آلاف خمسة آلاف، ثم فرض لمن بعد بدر إلى الحديبية أربعة آلاف أربعة آلاف، ثم فرض لمن بعد الحديبية إلى أن أقلع أبو بكر رضي الله عنه عن أهل الردّة ثلاثة آلاف ثلاثة آلاف، ودخل في ذلك من شهد الفتح، وقاتل عن أبي بكر ومن ولي الأيام قبل القادسية، كل هؤلاء على ثلاثة آلاف ثلاثة