قد عزمت على زواجه، ثم دعا ملوك الساحل وأولاد كرامة الثلاثة، فأتوه وتأخر أصغر أولاد كرامة مع أمّه بالحصن في عدّة قليلة، فامتلأ الساحل بالشواني والمدينة بالفرنج، وتلقوهم بالشمع والأغاني، فلما صاروا في القلعة وجلسوا مع الملوك غدر بهم وأمسكهم وأمسك غلمانهم وغرّقهم، وركب بجموعه ليلا إلى الحصن، فأجفل الفلاحون والحريم والصبيان إلى الجبال والشعر والكوف، وبلغ من بالحصن أن أولاد كرامة الثلاثة قد غرقوا، ففتحوه وخرجت أمّهم ومعها ابنها حجي بن كرامة وعمره سبع سنين، ولم يبق من بينهم سواه، فأدرك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وتوجه إليه، لما فتح صيدا وبيروت، وباس رجله في ركابه، فلمس بيده رأسه وقال له: أخذنا نارك، طيّب قلبك، انت مكان أبيك.
وأمر له بكتابة أملاك أبيه بستين فارسا.
فلما كانت أيام المنصور قلاون، ذكر أولاد تغلب بن مسعر الشجاعيّ أن بيد الخليقة أملا كاعظيمة بغير استحقاق، ومن جملتهم أمراء الغرب، فحملوا إلى مصر، ورسم السلطان باقطاع أملاك الجبلية مع بلاد طرابلس لأمرائها وجندها، فأقطعت لعشرين فارسا من طرابلس، فلما كانت أيام الأشرف خليل بن قلاون، قدموا مصر وسألوا أن يخدموا على أملاكهم بالعدّة، فرسم لهم وأن يزيدوها عشرة أرماح، فلما كان الروك الناصريّ ونيابة الأمير تنكر بالشام، وولاية علاء الدين بن سعيد، كشف تلك الجهات، رسم السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون أن يستمرّ عليها بستين فارسا، فاستمرّت على ذلك. ثم كان منهم الأمير ناصر الدين الحسين بن خضر بن محمد بن حجي بن كرامة بن بجير بن عليّ، المعروف بابن أمير الغرب، فكثرت مكارمه وإحسانه وخدمته كلّ من يتوجه إلى تلك الناحية، وكانت إقامته بقرية أعبية بالجبل، وله دار حسنة في بيروت، واتصلت خدمته إلى كل غادورائح، وباد الأكابر والأعيان مع رياسة كبيرة ومعرفة عدّة صنائع يتقنها، وكتابة جيدة، وترسل عدّة قصائد، ومولده في محرّم سنة ثمان وستين وستمائة، وتوفي للنصف من شوال سنة إحدى وخمسين وسبعمائة. انتهى.
ووجد بخطه أيضا من أخبار اليمن ما مثاله: كان ابتداء دولة بني زياد، أن محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن زياد سلمه المأمون مع عدّة من بني أمية إلى الفضل بن سهل بن ذي الرياستين، فورد على المأمون اختلال اليمن، فثنى الفضل على محمد هذا، فبعثه المأمون أميرا على اليمن، فحج ومضى إلى اليمن، ونتج بها من بعد محاربته العرب، وملك اليمن وبنى مدينة زبيد في سنة ثلاث ومائتين، وبعث مولاه جعفرا بهدية جليلة إلى المأمون في سنة خمس، وعاد إليه في سنة ست ومعه من جهة المأمون ألفا فارس، فقوي ابن زياد وملك جميع اليمن، وقلد جعفر الجبال، وبنى بها مدينة الدمجرة، فظهرت كفاءة جعفر لكثرة دهائه، فقتله ابن زياد، ثم مات محمد بن زياد، فملك بعده ابنه إبراهيم، ثم ملك بعده ابنه أبو الجيش إسحاق بن إبراهيم، وطالت مدّته ومات سنة إحدى وسبعين وثلاثمائة وترك طفلا