بالجلوس إلى جانبه عن يمينه، وقرىء السجل على باب المجلس، وهو أوّل سجل قرىء هناك، وكانت سجلات الوزراء قبل ذلك تقرأ بالإيوان، ورسم للشيخ أبي الحسن بن أبي أسامة كاتب الدست أن ينقل نسبة الأمراء، والمحنكين من الآمريّ إلى المأمونيّ، وكذا الناس أجمع، ولم يكن أحد ينتسب إلى الأفضل، ولا لأمير الجيوش، وقدّمت له الدواة، فعلم في مجلس الخليفة، ونعت بالسيد الأجل، المأمون تاج الخلافة ووجيه الملك، فخر الصنائع، ذخر أمير المؤمنين، عز الإسلام، فخر الأنام، نظام الدين، أمير الجيوش سيف الإسلام، ناصر الأنام، كافل قضاة المسلمين، وهادي دعاة المؤمنين، وكان يجلس بداره في يومي الأحد والأربعاء للراحة والنفقة في العسكر البساطية إلى الظهر، ثم يرفع النفقة، ويحط السماط، ويجلس بعد العصر، والكتاب بين يديه، فينفق في الراجل إلى آخر النهار، وفي يوم الجمعة يطلق للمقرئين بحضرته خمسة دنانير، ولكل من هو مستمرّ القراءة على بابه من الضعفاء، والأجراء مما هو ثابت بأسمائهم: خمسمائة درهم، ولبقية الضعفاء والمساكين: خمسمائة درهم أخرى.
فإذا توجه يوم الجمعة إلى القرافة يكون المبلغ المذكور مستقرّا لأربابه، ولم يزل إلى ليلة السبت الرابع من رمضان سنة تسع عشرة وخمسمائة، فقبض الآمر المذكور عليه، وعلى إخوته الخمسة «١» مع ثلاثين رجلا من خواصه وأهله، واعتقله ثم صلبه مع إخوته في سنة اثنتين وعشرين.
قيل: إن سبب القبض عليه ما بلغ الآمر عنه أنه بعث إلى الأمير جعفر بن المستعلي يغريه بقتل أخيه، ليقيمه مكانه في الخلافة، وكان الذي بلّغ الآمر ذلك الشيخ أبا الحسن بن أبي أسامة، وبلغه أيضا عنه أنه: سير نجيب الدولة أبا الحسن إلى اليمن ليضرب سكة عليها، الإمام المختار محمد بن نزار، وذكر عنه أنه سمّ شيئا، ودفعه لقصاد الخليفة، فنمّ عليه القصاد.
وكان مولد المأمون في سنة ثمان وسبعين وأربعمائة، وكان من ذوي الآراء، والمعرفة التامّة بتدبير الدول كريما واسع الصدر سفاكا للدماء، كثير التحرّز والتطلع إلى معرفة أحوال الناس من العامّة والجند، فكثر الوشاة في أيامه.
حبس المعونة: وكان بجوار الدار المأمونية حبس المعونة، وموضعه اليوم: قيسارية العنبر.
قال ابن المأمون في سنة سبع عشرة وخمسمائة: تقدّم أمر المأمون إلى الواليين بمصر والقاهرة بإحضار عرفاء السقائين وأخذ الحج على المتعيشين منهم بالقاهرة بحضورهم، متى