على أمير المؤمنين عليّ المرتضى، اللهمّ وسلّم على أمراء المؤمنين آباء أمير المؤمنين، اللهمّ اجعل أفضل سلامك على عبدك وخليفتك، ومنع من ضرب الطبول والأبواق حول القصر، فصاروا يطوفون بغير طبل ولا بوق، وكثرت إنعامات الحاكم فتوقف أمين الأمناء حسين بن طاهر الوزان في إمضائها، فكتب إليه الحاكم بخطه بعد البسملة، الحمد لله كما هو أهله:
أصبحت لا أرجو ولا أتقي ... إلّا إلهي وله الفضل
جدّي نبيّ وإمامي أبي ... وديني الإخلاص والعدل
المال مال الله عز وجلّ، والخلق عباد الله، ونحن أمناؤه في الأرض، أطلق أرزاق الناس ولا تقطعها والسلام وركب الحاكم يوم عيد الفطر إلى المصلي بغير زينة ولا جنائب ولا أبهة، سوى عشرة أفراس تقاد بسروج ولجم محلاة بفضة بيضاء خفيفة، وبنود ساذجة ومظلة بيضاء بغير ذهب عليه بياض، بغير طرز ولا ذهب ولا جوهر في عمامته، ولم يفرش المنبر، ومنع الناس من سبّ السلف، وضرب في ذلك وشهر وصلّى صلاة عيد النحر كما صلّى صلاة عيد الفطر من غير أبهة، ونحر عنه عبد الرحمن بن الياس بن أحمد بن المهديّ، وأكثر الحاكم من الركوب إلى الصحراء بحذاء في رجله وفوطة على رأيه.
وفي سنة أربع وأربعمائة ألزم اليهود أن يكون في أعناقهم جرس إذا دخلوا الحمام، وأن يكون في أعناق النصارى صلبان، ومنع الناس من الكلام في النجوم، وأقيم المنجمون من الطرقات وطلبوا فتغيبوا ونفوا، وكثرت هبات الحاكم وصدقاته وعتقه، وأمر اليهود والنصارى بالخروج من مصر إلى بلاد الروم وغيرها، وأقيم عبد الرحيم بن الياس وليّ العهد، وأمر أن يقال في السلام عليه، السلام على ابن عمّ أمير المؤمنين، ووليّ عهد المسلمين وصار يجلس بمكان في القصر، وصار الحاكم يركب بدراعة صوف بيضاء، ويتعمم بفوطة. وفي رجله خذاء عربيّ بقبالين، وعبد الرحيم يتولى النظر في أمور الدولة كلها، وأفرط الحاكم في العطاء وردّ ما كان أخذ من الضياع والأملاك إلى أربابها، وفي ربيع الآخر أمر بقطع يدي أبي القاسم الجرجانيّ، وكان يكتب للقائد غين، ثم قطع يد غين فصار مقطوع اليدين، وبعث إليه الحاكم بعد قطع يديه بألف من الذهب والثياب، ثم بعد ذلك أمر بقطع لسانه، فقطع. وأبطل عدّة مكوس، وقتل الكلاب كلها، وأكثر من الركوب في الليل، ومنع النساء من المشي في الطرقات، فلم تر امرأة في طريق البتة، وأغلقت حماماتهنّ، ومنع الأساكفة من على خفافهنّ، وتعطلت حوانيتهم، واشتدّت الإشاعة بوقوع السيف في الناس، فتهاربوا وغلفت الأسواق، فلم يبع شيء. ودعي لعبد الرحيم بن الياس على المنابر، وضربت السكة باسمه بولاية العهد، وفي سنة خمس وأربعمائة قتل مالك بن سعيد الفارقيّ، في ربيع الآخر، وكانت مدّة نظره في قضاء القضاة ست سنين وتسعة أشهر وعشرة