واستنابته في مملكة مصر وجعله وليّ عهد، فأتم بناء القلعة وأنشأ بها الآدر السلطانية، وذلك في سنة أربع وستمائة، وما برح يسكنها حتي مات، فاستمرّت من بعده دار مملكة مصر إلى يومنا هذا، وقد كان السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب يقيم بها أياما، وسكنها الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين في أيام أبيه مدّة، ثم انتقل منها إلى دار الوزارة.
قال ابن عبد الظاهر: وسمعت حكاية تحكى عن صلاح الدين أنه طلعها ومعه أخوه الملك العادل، فلما رآها التفت إلى أخيه وقال: يا سيف الدين، قد بنيت هذه القلعة لأولادك. فقال: يا خوند منّ الله عليك أنت وأولادك وأولاد أولادك بالدنيا. فقال: ما فهمت ما قلت لك، أنا نجيب ما يأتي لي أولاد نجباء، وأنت غير نجيب فأولادك يكونون نجباء، فسكت.
قال مؤلفه رحمه الله: وهذا الذي ذكره صلاح الدين يوسف من انتقال الملك عنه إلى أخيه وأولاد أخيه ليس هو خاصا بدولته، بل اعتبر ذلك في الدول تجد الأمر ينتقل عن أولاد القائم بالدولة إلى بعض أقاربه، هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو القائم بالملة الإسلامية، ولما توفي صلى الله عليه وسلم انتقل أمر القيام بالملة الإسلامية بعده إلى أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه، واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرّة بن كعب بن لؤيّ، فهو رضي الله عنه يجتمع من النبي صلى الله عليه وسلم، في مرّة بن كعب، ثم انتقل الأمر بعد الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم إلى بني أمية كان القائم بالدولة الأموية معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية، فلم تفلح أولاده وصارت الخلافة إلى مروان بن الحكم بن العاص بن أمية، فتوارثها بنو مروان حتى انقضت دولتهم بقيام بني العباس رضي الله عنه، فكان أول من قام من بني العباس عبد الله بن محمد السفاح، ولما مات انتقلت الخلافة من بعده إلى أخيه أبي جعفر عبد الله بن محمد المنصور، واستقرّت في بنيه إلى أن انقرضت الدولة العباسية من بغداد.
وكذا وقع في دول العجم أيضا، فأول ملوك بني بوبه، عماد الدين أبو عليّ الحسن بن بويه، والقائم من بعده في السلطنة أخوه حسن بن بويه، وأوّل ملوك بني سلجوق، طغريل، والقائم من بعده في السلطنة ابن أخيه ألب أرسلان بن داود بن ميكال بن سلجوق، وأوّل قائم بدولة بني أيوب، السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، ولما مات اختلف أولاده فانتقل ملك مصر والشام وديار بكر والحجاز واليمن إلى أخيه الملك العادل أبي بكر بن أيوب، واستمرّ فيهم إلى أن انقرضت الدولة الأيوبية، فقام بمملكة مصر المماليك الأتراك، وأوّل من قام منهم بمصر الملك المعز أيبك، فلما مات لم يفلح ابنه عليّ فصارت المملكة إلى قطز، وأوّل من قام بالدولة الجركسية الملك الظاهر برقوق، وانتقلت المملكة من بعد ابنه الملك الناصر فرج إلى الملك المؤيد شيخ المحموديّ الظاهريّ، وقد جمعت في هذا