وذكر أن بعض أصحاب هذا القصار ممن لم يعرف أنه كان يشتري الكافور، ويرميه بالقرب من خشبته التي هو مصلوب عليها، فيستقبل رائحته من سلك تلك الطريق ويقصد بذلك أن يربط عقول من كان القصار قد أضله، فأمر المأمون أن يحطوا عن الخشب، وأن تخلط رممهم ويدفنوا متفرّقين، حتى لا يعرف قبر القصار من قبورهم، وكان قتلهم في سنة سبع عشرة وخمسمائة، وابتداء هذه القضية سنة ثلاث عشرة وخمسمائة.
قال: وكان الشريف عبد الله يحدّث عن صديق له مأمول القول: إنه أخبره أنه لما شاع خبر هذا القصار، وما ظهر منه أراد أن يمتحنه، فتسبب إلى أن خالطه، وصار في جملة أصحابه، ومن يعظمه ويطلع معه إلى الجبل، فأفسد عقله، وغير معتقده، وأخرجه عن الإسلام، وأنه لامه على ذلك، وردعه فحدّثه بعجائب منها أنه قال: والله ما من الجماعة الذين يطلعون معه إلى الجبل أحد إلّا ويسأله، ويستدعيه ما يريد على سبيل الامتحان فيحضره إليه لوقته، وإنّ بيده سكينا لا تقطع إلّا بيده، وإذا أمسك طائرا، وقبضه أحد من الحاضرين يدفع السكين التي معه له، ويقول له: اذبحه، فلا تمشي في يده، فيأخذها هو ويذبحه بها ويجري دمه، ثم يعود ويمسكه بيده، ويسرّحه فيطير، ويقول: إنّ الحديد لا يعمل فيه، ويوسع القول فيما يشاهده منه، ويسمعه، فلما اعتقل القصار بقي هذا الرجل مصرّا على اعتقاده، فلما قتل وخرج إليه وشاهده، وتحقق موته علم أن ما كان فيه سحر، وزور وإفك، فتصدّق بجملة من ماله، وعاد إلى مذهبه، وصحّ معتقده.
وقال ابن عبد الظاهر: دار العلم كان الأفضل بن أمير الجيوش قد أبطلها، وهي بجوار باب التبانين، وهي متصلة بالقصر الصغير، وفيها مدفون الداعي: المؤيد في الدين هبة الله بن موسى الأعجميّ، وكان لإبطالها أمور سببها اجتماع الناس، والخوض في المذاهب والخوف من الاجتماع على المذهب النزاريّ، ولم يزل الخدّام يتوصلون إلى الخليفة الآمر بأحكام الله، حتى تحدّث في ذلك مع الوزير المأمون فقال: أين تكون هذه الدار؟ فقال بعض الخدّام: تكون بالدار التي كانت أوّلا، فقال المأمون: هذا لا يكون لأنه باب صار من جملة أبواب القصر، وبرسم الحوائج، ولا يمكن الاجتماع ولا يؤمن من غريب يتحصل به، فأشار كل من الأستاذين بشيء، فأشار بعضهم أن تكون في بيت المال القديم، فقال المأمون: يا سبحان الله قد منعنا أن تكون متاخمة للقصر الكبير الذي هو سكن الخليفة نجعلها ملاصقة؟ فقال الثقة زمام القصور: في جواري موضع ليس ملاصقا للقصر، ولا مخالطا له يجوز أن يعمر، ويكون دار العلم، فأجاب المأمون إلى ذلك وقال: بشرط أن يكون متوليها رجلا دينا، والداعي الناظر فيها، ويقام فيها متصدّرون برسم قراءة القرآن، فاستخدم فيها أبو محمد حسن بن آدم، فتولاها، وشرط عليه ما تقدّم ذكره، واستخدم فيها مقرئون.