فمن أوّل ما سمع القائد أبو عبد الله بن فاتك الذي قيل له بعد ذلك: المأمون بالقضية، وكان مدبر الأمور في الأيام الأفضلية قال: هو بركات المطلوب، وأمر بإحضار الأستاذين والكشف عن القضية، وإحضار الحمالين، والكشف عن القبر بحضورهم، فإذا تحققوه أمرهم بلعنه، فمن أجاب إلى ذلك منهم أطلقوه، ومن أبى أحضروه، فحققوا معرفته، فمنهم من بصق في وجهه، وتبرّأ منه، ومنهم من همّ بتقبيله، ولم يتبرّأ منه، فجلس الأفضل واستدعى الوالي والسياف، واستدعى من كان تحت الحوطة من أصحابه، فكل من تبرّأ منه، ولعنه أطلق سبيله، وبقي من الجماعة ممن لم يتبرّأ منه: خمسة نفر وصبيّ لم يبلغ الحلم، فأمر بضرب رقابهم، وطلب الأستاذين، فلم يقدر عليهما، وقال للصبيّ: من لفظه تبرّأ منه، وأنعم عليك، وأطلق سبيلك فقال له: الله يطالبك إن لم تلحقني بهم، فإني مشاهد ما هم فيه، وأخذ بسيفه على الأفضل، فأمر بضرب عنقه، فلما توفي الأفضل أمر الخليفة الآمر بأحكام الله: وزيره المأمون بن البطائحيّ باتخاذ دار العلم، وأفسد عقل أستاذ وخياط، وجماعة، وادّعى الربوبية فحضر الداعي ابن عبد الحقيق إلى الوزير المأمون، وعرّفه بأنّ هذا قد تعرّف بطرف من علم الكلام، على مذهب أبي الحسن الأشعريّ، ثم انسلخ عن الإسلام، وسلك طريق الحلاج في التمويه فاستهوى من ضعف عقله، وقلة بصيرته، فإنّ الحلاج في أوّل أمره كان يدّعي أنه: داعية المهديّ، ثم ادّعى أنه المهديّ ثم ادّعى الإلهية، وأنّ الجنّ تخدمه، وأنه أحيى عدّة من الطيور، وكان هذا القصار شيعيّ الدين، وجرت له أمور في الأيام الأفضلية، ونفي دفعة واعتقل أخرى، ثم هرب بعد ذلك، ثم حضر وصار يواصل طلوع الجبل، واستصحب من استهواء من أصحابه، فإذا أبعد قال لبعضهم بعد أن يصلي ركعتين: نطلب شيئا تأكله أصحابنا فيمضي، ولا يلبث دون أن يعود، ومعه ما كان أعدّه مع بعض خاصته الذين يطلعون على باطنه، فكانوا يهابونه ويعظمونه حتى أنهم يخافون الإثم في تأمّل صورته، فلا ينفكون مطرقين بين يديه، وكان قصيرا دميم الخلقة، وادّعى مع ذلك الربوبية وكان ممن اختص بحميد رجل خياط وخصيّ، فرسم المأمون بالقبض على المذكور، وعلى جميع أصحابه فهرب الخياط، وطلب فلم يوجد، ونودي عليه وبذل لمن يحضر به مال، فلم يقدر عليه، واعتقل القصار وأصحابه، وقرّروا فلم يقرّوا بشيء من حاله، وبعد أيام تماوت في الحبس.
فلما استؤمر عليه أمر بدفنه، فلما حمل ليدفن ظهر أنه حيّ، فأعيد إلى الاعتقال، وبقي كل من لم يتبرّأ منه معتقلا ما خلى الخصيّ، فإنه لم يتبرّأ منه، وذكر أن القتل لا يصل إليه فأمر بقطع لسانه، ورمى قدّامه، وهو مصرّ على ما في نفسه، فأخرج القصار، والخصيّ، ومن لم يتبرّأ منه من أصحابه فصلبوا على الخشب، وضربوا بالنشاب، فماتوا لوقتهم، ثم نودي على الخياط ثانيا، فاحضر وفعل به ما فعل بأصحابه بعد أن قيل له: ها أنت تنظره، فلم يتبرّأ منه، وصلب إلى جانبه.