والمنطق وجماعة من الفقهاء منهم: عبد الغنيّ بن سعيد، وجماعة من الأطباء إلى حضرة الحاكم بأمر الله، وكانت كل طائفة تحضر على انفرادها للمناظرة بين يديه، ثم خلع على الجميع ووصلهم، ووقف الحاكم بأمر الله أماكن في فسطاط مصر على عدّة مواضع، وضمنها كتابا ثبت على قاضي القضاة: مالك بن سعيد، وقد ذكر عند ذكر الجامع الأزهر، وقال فيه: وقد ذكر دار العلم، ويكون العشر وثمن العشر لدار الحكمة لما يحتاج إليه في كل سنة من العين المغربيّ: مائتان وسبعة وخمسون دينارا، من ذلك الثمن الحصر العبدانيّ، وغيرها لهذه الدار عشرة دنانير، ومن ذلك لورق الكاتب يعني الناسخ تسعون دينارا، ومن ذلك للخازن بها ثمانية وأربعون دينارا، ومن ذلك لثمن الماء اثنا عشر دينارا، ومن ذلك للفرّاش خمسة عشر دينارا، ومن ذلك للورق والحبر، والأقلام لمن ينظر فيها من الفقهاء اثنا عشر دينارا، ومن ذلك لمرمّة الستارة: دينار واحد، ومن ذلك لمرمة ما عسى أن يتقطع من الكتب وما عساه أن يسقط من ورقها: اثنا عشر دينارا، ومن ذلك لثمن لبود للفرش في الشتاء خمسة دنانير، ومن ذلك لثمن طنافس في الشتاء أربعة دنانير.
وقال ابن المأمون: وفي هذا الشهر يعني شهر ذي الحجة سنة ست عشرة وخمسمائة جرت نوبة القصار، وهي طويلة، وأوّلها من الأيام الأفضلية، وكان فيهم رجلان يسمى أحدهما: بركات، والآخر: حميد بن مكيّ الإطفيحيّ القصار، مع جماعة يعرفون بالبديعية، وهم على الإسلام والمذاهب الثلاثة المشهورة، وكانوا يجتمعون في دار العلم بالقاهرة، فاعتمد بركات من جملتهم أن استفسد عقول جماعة، وأخرجهم عن الصواب، وكان ذلك في أيام الأفضل فأمر للوقت بغلق دار العلم، والقبض على المذكور، فهرب، وكان من جملة من استفسد عقله بركات المذكور: أستاذان من القصر.
فلما طلب بركات المذكور، واستتر دقق الأستاذان الحيلة إلى أن دخلاه عندهما في زيّ جارية اشترياها، وقاما بحقه، وجميع ما يحتاج إليه، وصار أهله يدخلون إليه في بعض الأوقات، فمرض بركات عند الأستاذين، فحارا في أمره ومداواته، وتعذر عليهما إحضار طبيب له، واشتدّ مرضه، ومات، فأعملا الحيلة، وعرّفا زمام القصر، أنّ إحدى عجائزهما قد توفيت، وأن عجائزهما يغسلنها على عادة القصور، ويشيعنها إلى تربة النعمان بالقرافة، وكتبا عدّة من يخرج، ففسح لهما في العدّة، وأخذا في غسله، وألبساه ما أخذاه من أهله، وهو ثياب معلمة، وشاشية ومنديل، وطيلسان مقوّر، وأدرجوه في الديبقيّ، وتوجه مع التابوت الأستاذان المشار إليهما، فلما قطعوا به بعض الطريق أرادا تكميل الأجر له على قدر عقولهما، فقالا للحمالين: هو رجل تربيته عندنا فنادوا عليه: نداء الرجال، واكتموا الحال، وهذه أربعة دنانير لكم، فسرّ الحمالون بذلك، فلما عادوا إلى صاحب الدكان عرّفوه بما جرى، وقاسموه الدنانير، فخافت نفسه، وعلم أنها قضية لا تخفى، فمضى بهم إلى الوالي، وشرح له القضية فأودعهم في الاعتقال، وأخذ الذهب منهم، وكتب مطالعة بالحال.