قرابين أولئك الروحانيين، فيصل إليها حينئذ، ويأخذ من كنوزها ما أب من غير مشقة، ولا ضرر، وبنى الملك صا بن الساد، وقيل: صا بن مرقونس بداخل الواحات مدينة، وغرس حولها نخلا كثيرا، وكان يسكن منف، وملك الأحياز كلها، وعمل عجائب وطلسمات، وردّ الكهنة إلى مراتبهم، ونفى الملهيين، وأهل الشرّ ممن كان يصحب الساد بن مرقونس، وجعل على أطراف مصر أصحاب أخبار يرفعون إليه ما يجري في حدودهم، وعمل على غربيّ النيل مناير يوقد عليها إذا حزبهم أمر، أو قصدهم قاصد.
وكان لما ملك البلد بأسره، جمع الحكماء إليه، ونظر في نجومه، وكان بها حاذقا، فرأى أن بلده لا بدّ أن تغرق بالطوفان من نيلها، ورأى أنها تخرب على يد رجل يأتي من ناحية الشام، فجمع كل فاعل بمصر، وبنى في ألواح الأقصى مدينة، جعل طول حصنها في الارتفاع خمسين ذراعا، وأودعها جميع الحكم، والأموال، وهي المدينة التي وقع عليها، موسى بن نصير في زمن بني أمية، لما قدم من المغرب، فلما دخل مصر أخذ على ألواح الأقصى، وكان عنده علم منها، فأقام سبعة أيام يسير في رمال بين الغرب والجنوب، فظهرت له مدينة عليها حصن وأبواب من حديد، فلم يمكنه فتح الأبواب، وكان إذا صعد إليها الرجال، وعلوا الحصن، وأشرفوا على المدينة ألقوا أنفسهم فيها، فلما أعياه أمرها مضى وهلك من أصحابه عدّة.
قال: وفي تلك الصحارى كانت منتزهات القوم، ومدنهم العجيبة، وكنوزهم إلا أنّ الرمال غلبت عليها، ولم يبق يملك ملك إلا وقد عمل للرمل طلسما لدفعه، ففسدت طلسماتها لقدم الزمان، قال: ولا ينبغي لأحد أن ينكر كثرة بنيانهم، ولا مدائنهم، ولا ما نصبوه من الأعلام العظام، فقد كان للقوم بطش لم يكن لغيرهم، وإنّ آثارهم لبينة مثل الأهرام والأعلام والإسكندرية، وما في صحارى الشرق والجبال المنحوتة التي جعلوا كنوزهم فيها، والأودية المنحوتة، ومثل ما بالصعيد من البرابي وما نقشوه عليها من حكمتهم، فلو تعاطى جميع ملوك الأرض أن يبنوا مثل الهرمين، ما تهيأ لهم، وكذلك أن ينقشوا بربا لطال بهم الأمد ولم يمكنهم.
وحكي عن قوم من البنائين في ضياع الغرب، أنّ عاملا عندهم عنف بهم، ففرّوا في صحراء الغرب، ومعهم زاد إلى أن تنصلح أحوالهم، ويرجعوا، فلما كانوا على مسيرة يوم وبعض آخر قدموا إلى سفح جبل، فوجدوا عيرا أهليا قد خرج من بعض الشعاب، فتبعه بعضهم، فانتهى إلى مساكن وأشجار، ونخل ومياه تطرد وقوم هناك يرعون، ولهم مساكن، وكلمهم وأعجب بهم، فجاء إلى أصحابه، وقدم بهم على أولئك القوم، فسألوهم عن حالهم فأخبروهم، وأقاموا عندهم حتى صلحت أحوالهم وخرجوا ليأتوا بأهاليهم ومواشيهم، ويقيموا عندهم، فساروا مدّة، وهم لا يعرفون الطريق، ولا يتأتى لهم العود فأسفوا على ما فاتهم.