للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال جامع السيرة الصلاحية: وهذا المقسم على شاطىء النيل يزار، وهناك مسجد يتبرّك به الأبرار، وهو المكان الذي قسمت فيه الغنيمة عند استيلاء الصحابة رضي الله عنهم على مصر، فلما أمر السلطان صلاح الدين بإدارة السور على مصر والقاهرة، تولى ذلك بهاء الدين قراقوش وجعل نهايته التي تلي القاهرة عند المقس، وبنى فيه برجا يشرف على النبل، وبنى مسجده جامعا، واتصلت العمارة منه إلى البلد، وصار تقام فيه الجمع والجماعات.

العزيز بالله: أبو النصر نزار بن المعز لدين الله أبي تميم معدّ، ولد بالمهدية من بلاد أقريقية في يوم الخميس الرابع عشر من المحرّم سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، وقدم مع أبيه إلى القاهرة، وولي العهد. فلما مات المعز لدين الله أقيم من بعده في الخلافة يوم الرابع عشر من شهر ربيع الآخر سنة خمس وستين وثلاثمائة فأذعن له سائر عساكر أبيه واجتمعوا عليه، وسيّر بذهب إلى بلاد المغرب، فرّق في الناس، واقرّ يوسف بن ملكين على ولاية إفريقية، وخطب له بمكة، ووافى الشام عسكر القرامطة فصاروا مع أفتكين التركيّ، وقوي بهم وساروا إلى الرملة وقاتلوا عساكر العزيز بيافا، فبعث العزيز جوهر القائد بعساكر كثيرة وملك الرملة وحاصر دمشق مدّة، ثم رحل عنها بغير طائل، فأدركه القرامطة وقاتلوه بالرملة وعسقلان نحو سبعة عشر شهرا، ثم خلص من تحت سيوف افتكين وسار إلى العزيز فوافاه وقد برز من القاهرة، فسار معه ودخل العزيز إلى الرملة وأسر أفتكين في المحرّم سنة ثمان وستين وثلاثمائة فأحسن إليه وأكرمه إكراما زائدا.

فكتب إليه الشريف أبو إسماعيل إبراهيم الرئيس يقول: يا مولانا لقد استحق هذا الكافر كلّ عذاب، والعجب من الإحسان إليه؟ فلما لقيه قال: يا إبراهيم قرأت كتابك في أمر أفتكين، وأنا أخبرك. اعلم أنا قد وعدناه الإحسان والولاية، فلما قبل وجاء إلينا نصب فازاته وخيامه حذاءنا، وأردنا منه الانصراف فلج وقاتل، فلما ولى منهزما وسرت إلى فازاته ودخلتها سجدت لله شكرا وسألته أن يفتح لي بالظفر به، فجيء به بعد ساعة أسيرا، أترى يليق بي غير الوفاء.

ولما وصل العزيز إلى القاهرة اصطنع افتكين وواصله بالعطايا والخلع، حتى قال لقد احتشمت من ركوبي مع الخليفة مولانا العزيز بالله، ونظري إليه بما غمرني من فضله وإحسانه، فلما بلغ العزيز ذلك قال لعمه حيدرة: يا عمّ أحبّ أن أرى النعم عند الناس ظاهرة، وأرى عليهم الذهب والفضة والجواهر، ولهم الخيل واللباس والضياع والعقار، وأن يكون ذلك كله من عندي. ومات بمدينة بلبيس من مرض طويل بالقولنج والحصاة، في اليوم الثامن والعشرين من شهر رمضان سنة ست وثمانين وثلاثمائة فحمل إلى القاهرة ودفن بتربة القصر مع آبائه. وكانت مدّة خلافته بعد أبيه المعز إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصفا، ومات وعمره اثنتان وأربعون سنة وثمانية أشهر وأربعة عشر يوما. وكان نقش

<<  <  ج: ص:  >  >>