للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوف، وبقية الأمراء وقوف من وراء أمراء المشورة، ويقف خلف هذه الحلقة المحيطة بالسلطان الحجاب والدوادارية، لإعطاء قصص الناس وإحضار الرسل وغيرهم من الشكاة وأصحاب الحوائج والضرورات، فيقرأ كاتب السرّ وموقعو الدست القصص على السلطان، فإن احتاج إلى مراجعة القضاة راجعهم فيما يتعلق بالأمور الشرعية والقضايا الدينية، وما كان متعلقا بالعسكر فإن كانت القصص في أمراء الإقطاعات قرأها ناظر الجيش، فإن احتاج إلى مراجعة في أمر العسكر تحدّث مع الحاجب وكاتب الجيش فيه، وما عدا ذلك يأمر فيه السلطان بما يراه، وكانت العادة الناصرية أن تكون الخدمة في هذا الإيوان على ما تقدّم ذكره في بكرة يوم الاثنين، وأما بكرة يوم الخميس فإن الخدمة على مثل ذلك، إلّا أنّه لا يتصدّى السلطان فيه لسماع القصص، ولا يحضره أحد من القضاة ولا الموقعين ولا كاتب الجيش، إلا إن عرضت حاجة إلى طلب أحد منهم، وهذا القعود عادته طول السنة ما عدا رمضان.

وقد تغير بعد الأيام الناصرية هذا الترتيب، فصارت قضاة القضاة تجلس عن يمنة السلطان ويسرته، فيجلس الشافعيّ عن يمينه ويليه المالكيّ ويليه قاضي العسكر، ثم محتسب القاهرة، ثم مفتي دار العدل الشافعيّ. ويجلس الحنفيّ عن يسرة السلطان، ويليه الحنبليّ، وصارت القصص تقرأ والقضاة وناظر الجيش يحضرون في يوم الخميس أيضا، وكانت العادة أيضا أنه إذا ولي أحد المملكة من أولاد الملك الناصر محمد بن قلاون، فإنه عند ولايته يحضر الأمراء إلى داره بالقلعة وتفاض عليه الخلعة الخليفية السوداء، ومن تحتها فرجية خضراء وعمامة سوداء مدوّرة، ويقلد بالسيف العربيّ المذهب، ويركب فرس النوبة ويسير والأمراء بين يديه، والغاشية قدّامه، والجاويشية تصيح، والشبابة السلطانية ينفخ بها، والطبردارية حواليه إلى أن يعبر من باب النحاس إلى درج هذا الإيوان، فينزل عن الفرس ويصعد إلى التخت فيجلس عليه، ويقبّل الأمراء الأرض بين يديه، ثم يتقدّمون إليه ويقبلون يده على قدر رتبهم، ثم مقدمو الحلقة، فإذا فرغوا حضر القضاة والخليفة، فتفاض التشاريف على الخليفة، ويجلس مع السلطان على التخت، ويقلد السلطان المملكة بحضور القضاة والأمراء، ويشهد عليه بذلك، ثم ينصرف ومعه القضاة، فيمدّ السماط للأمراء، فإذا انقضى أكلهم قام السلطان ودخل المقصورة وانصرف الأمراء.

ومما قيل في هذا الإيوان لمّا بناه السلطان الملك الناصر:

شرّفت إيوانا جلست بصدره ... فشرحت بالإحسان منه صدورا

قد كاد يستعلي الفراقد رفعة ... إذ حاز منك الناصر المنصورا

ملك الزمان ومن رعية ملكه ... من عدله لا يظلمون نقيرا

لا زال منصور اللواء مؤيدا ... أبد الزمان وضدّه مقهورا

وقيل أيضا:

<<  <  ج: ص:  >  >>