القصر الأبلق: هذا القصر يشرف على الإصطبل، أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاون في شعبان سنة ثلاث عشرة وسبعمائة، وانتهت عمارته في سنة أربع عشرة، وأنشأ بجواره جنينة، ولما كمل عمل فيه سماطا حضره الأمراء وأهل الدولة، ثم أفيضت عليهم الخلع وحمل إلى كلّ أمير من أمراء المئين ومقدّمي الألوف ألف دينار، ولكلّ من مقدّمي الحلقة خمسمائة درهم، ولكلّ من أمراء الطبلخاناه عشرة آلاف درهم فضة، عنها خمسمائة دينار، فبلغت النفقة على هذا المهم خمسمائة ألف ألف درهم وخمسمائة ألف درهم.
وكانت العادة أن يجلس السلطان بهذا القصر كلّ يوم للخدمة ما عدا يومي الاثنين والخميس، فإنه يجلس للخدمة بدار العدل، كما تقدّم ذكره، وكان يخرج إلى هذا القصر المطلّ على الإصطبل، وتارة يقعد دونه على الأرض والأمراء وقوف على ما تقدّم، خلا أمراء المشورة والقرباء من السلطان فإنه ليس لهم عادة بحضور هذا المجلس، ولا يحضر هذا المجلس من الأمراء الكبار إلّا من دعت الحاجة إلى حضوره، ولا يزال السلطان جالسا إلى الثالثة من النهار، فيقوم ويدخل إلى قصوره الجوّانيية، ثم إلى دار حريمه ونسائه، ثم يخرج في أخريات النهار إلى قصوره الجوّانية فينظر في مصالح ملكه، ويعبر إليه إلى قصوره الجوّانية خاصته من أرباب الوظائف في الأشغال المتعلقة به، على ما تدعو الحاجة إليه، ويقال لها خدمة القصر، وهذا القصر تجاه بابه رحبة يسلك إليها من الرحبة التي تجاه الإيوان، فيجلس بالرحبة التي على باب القصر خواص الأمراء قبل دخولهم إلى خدمة القصر، ويمشي من باب القصر في دهاليز مفروشة بالرخام، قد فرش فوقه أنواع البسط إلى قصر عظيم البناء شاهق في الهواء، بإيوانين أعظمهما الشماليّ، يطلّ منه على الإصطبلات السلطانية، ويمتدّ النظر إلى سوق الخيل والقاهرة وظواهرها إلى نحو النيل وما يليه من بلاد الجيزة وقراها، وفي الإيوان الثاني القبليّ باب خاص لخروج السلطان وخواصه منه إلى الإيوان الكبير أيام الموكب، ويدخل من هذا القصر إلى ثلاثة قصور جوّانية، منها واحد مسامت لأرض هذا القصر، واثنان يصعد إليهما بدرج، في جميعها شبابيك حديد تشرف على مثل منظرة القصر الكبير، وفي هذه القصور كلها مجاري الماء مرفوعا من النيل بدواليب تديرها الأبقار من مقرّه إلى موضع ثم إلى آخر حتى ينتهي الماء إلى القلعة ويدخل إلى القصور السلطانية وإلى دور الأمراء الخواص المجاورين للسلطان، فيجري الماء في دورهم، وتدور به حماماتهم، وهو من عجائب الأعمال لرفعته من الأرض إلى السماء قريبا من خمسمائة ذراع من مكان إلى مكان، ويدخل من هذه القصور إلى دور الحريم، وهذه القصور جميعها من ظاهرها مبنية بالحجر الأسود والحجر الأسفر، موزرة من داخلها