بالرخام والفصوص المذهبة المشجرة بالصدف والمعجون وأنواع الملوّنات، وسقوفها كلها مذهبة قد موّهت باللازورد، والنور يخرق في جدرانها بطاقات من الزجاج القبرسيّ الملوّن كقطع الجوهر المؤلفة في العقود، وجميع الأراضي قد فرشت بالرخام المنقول إليها من أقطار الأرض مما لا يوجد مثله، وتشرف الدور السلطانية من بعضها على بساتين وأشجار وساحات للحيوانات البديعة والأبقار والأغنام والطيور الدواجن، وسيأتي إن شاء الله تعالى ذكر هذه القصور والبساتين والأحواش مفصلا. وكان بهذا القصر الأبلق رسوم وعوايد تغير كثير منها وبطل معظمها، وبقيت إلى الآن بقايا من شعار المملكة ورسوم السلطنة، وسأقص من أنباء ذلك إن شاء الله تعالى ما لا تراه بغير هذا الكتاب مجموعا، والله يؤتي فضله من يشاء.
الأسمطة السلطانية: وكانت العادة أن يمدّ بالقصر في طرفي النهار من كلّ يوم أسمطة جليلة لعامّة الأمراء خلا البرّانيين، وقليل ما هم. فبكرة يمدّ سماط أوّل لا يأكل منه السلطان، ثم ثان بعده يسمى الخاص، قد يأكل منه السلطان وقد لا يأكل، ثم ثالث بعده ويسمى الطارئ ومنه مأكول السلطان. وأما في آخر النهار فيمتدّ سماطان، الأوّل والثاني المسمى بالخاص، ثم إن استدعي بطارىء حضّر، وإلّا فلا، ما عدا المشويّ فإنه ليس له عادة محفوظة النظام، بل هو على حسب ما يرسم به، وفي كلّ هذه الأسمطة يؤكل ما عليها ويفرّق نوالات، ثم يسقى بعدها الأقسماء المعمولة من السكر والأفاويه المطيبة بماء الورد المبرّدة، وكانت العادة أن يبيت في كلّ ليلة بالقرب من السلطان أطباق فيها أنواع من المطجنات والبوارد والقطر والقشطة والجبن المقليّ والموز والسكباج، وأطباق فيها من الأقسماء والماء البارد برسم أرباب النوبة في السهر حول السلطان، ليتشاغلوا بالمأكول والمشروب عن النوم، ويكون الليل مقسوما بينهم بساعات الرمل، فإذا انتهت نوبة نبهت التي تليها، ثم ذهبت هي فنامت إلى الصباح، هكذا أبدا سفرا أو حضرا، وكانت العادة أيضا أن يبيت في المبيت السلطانيّ من القصر أو المخيم إن كان في السرحة المصاحف الكريمة لقراءة من يقرأ من أرباب النوبة، ويبيت أيضا الشطرنج ليتشاغل به عن النوم. وبلغ مصروف السماط في كلّ يوم عيد الفطر من كلّ سنة، خمسين ألف درهم، عنها نحو ألفين وخمسمائة دينار، تنهبه الغلمان والعامّة، وكان يعمل في سماط الملك الظاهر برقوق في كل يوم خمسة آلاف رطل من اللحم، سوى الأوز والدجاج، وكان راتب المؤيد شيخ في كلّ يوم لسماطه وداره ثمانمائة رطل من اللحم، فلما كان في المحرّم سنة ست وعشرين وثمانمائة، سأل الملك الأشرف برسباي عن مقدار ما يطبخ له في كلّ يوم بكرة وعشيا فقيل له: ستمائة رطل في الوجبتين، فأمر أن يطبخ بين يديه، لأنه بلغه أنه يوخذ مما ذكر لشادّ الشرابخاناه، ونحوه مائة وعشرون رطلا، فجعل راتب اللحم في كل يوم بزيادة أيام الخدمة، ونقصان أيام عدة الخدمة، خمسمائة رطل وستة أرطال عن وجبتي الغداء والعشاء، ومن الدجاج ستة وعشرين