يشفعون فيه، فعاد الجواب بأنه لا بدّ من القبض عليه ونهب ماله وقطع رأسه وإرساله، فأبوا من ذلك وخلعوا الطاعة وشقوا العصا جميعا، فلم يكن بأسرع من ورود الخبر من مصر بخلع الناصر أحمد وإقامة الصالح إسماعيل في الملك بدله، والأحمديّ مقيم بقصر تنكز من دمشق، فورد عليه مرسوم بنيابة طرابلس، فتوجه إليها وأقام بها نحو الشهرين، ثم طلب إلى مصر فسار إليها وأخرج لمحاصرة أحمد بالكرك، فحصره مدّة ولم ينل منه شيئا، ثم عاد إلى القاهرة فأقام بها حتى مات في يوم الثلاثاء ثالث عشر المحرّم سنة ست وأربعين وسبعمائة، وله من العمر نحو الثمانين سنة وكان أحد الأبطال الموصوفين بقوّة النفس وشدّة العزم ومحبة الفقراء وإيثار الصالحين، وله مماليك قد عرفوا بالشجاعة والنجدة، وكان ممن يقتدي برأيه وتتبع آثاره لمعرفته بالأيام والوقائع، وما برحت ذريته بهذه الدار إلى الآن، وأظنها موقوفة عليهم.
دار قراسنقر: هذه الدار برأس حارة بها الدين، أنشأها الأمير شمس الدين قراسنقر، وبها كان سكنه، وهي إحدى الدور الجليلة، ووجد بها في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة لما أحيط بها، اثنان وثلاثون ألف ألف دينار، ومائة ألف وخمسون ألف درهم فضة، وسروج مذهبة وغير ذلك، فحمل الجميع إلى بيت المال، ولم تزل جارية في أوقاف المدرسة القراسنقرية إلى أن اغتصبها الأمير جمال الدين يوسف الاستادار، فيما اغتصب من الأوقاف، وجعلها وقفا على مدرسته التي أنشأها برحبة باب العيد، فلما قتله الملك الناصر فرج بن برقوق وارتجع جميع ما خلفه وصار في جملة الأموال السلطانية، ثم أفرد من الأوقاف التي جعلها جمال الدين على مدرسته شيئا، وجعل باقيها لأولاده، وعلى تربته التي أنشأها على قبر أبيه الملك الظاهر برقوق بالصحراء تحت الجبل، خارج باب النصر، فلما قتل الملك الناصر فرج، صارت هذه الدار بيد الأمير طوغان الدوادار، وكانوا كسارق من سارق، وما من قتيل يقتل إلّا وعلى ابن آدم الأوّل كفل منه، لأنه أوّل من سنّ القتل.
دار البلقيني: هذه الدار تجاه مدرسة شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني، من حارة بهاء الدين، أنشأها قاضي العساكر بدر الدين محمد بن شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان البلقينيّ الشافعيّ. ومات في يوم الخميس لست بقين من شهر ربيع الآخر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة، ولم تكمل، فاشتراها أخوه قاضي القضاة جلال الدين عبد الرحمن بن شيخ الإسلام وكمّلها، وبها الآن سكنه، وهي من أجلّ، دور القاهرة صورة ومعنا، وقد ذكرت الأخوين وأبيهما في كتابي المنعوت بدرر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة، فانظر هناك أخبارهم.
دار منكوتمر: هذه الدار بحارة بهاء الدين، بجوار المدرسة المنكوتمرية، أنشأها الأمير منكوتمر نائب السلطنة بجوار مدرسته الآتي ذكرها عند ذكر المدارس إن شاء الله