للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دار تنكز: هذه الدار بخط الكافوري، كانت للأمير ايبك البغدادي، وهي من أجلّ دور القاهرة وأعظمها، انشأها الأمير تنكز نائب الشام، وأظنه أوقفها في جملة ما أوقف، وكان بها ولده، وسكنها قاضي القضاة برهان الدين إبراهيم بن جماعة، فأنفق في زخرفها على ما أشيع سبعة عشر ألف درهم، عنها يومئذ ما ينيف عن سبعمائة دينار مصرية، ولم تزل هذه الدار وقفا إلى أن بيعت على أنها ملك في سنة إحدى وعشرين وثمانمائة بدون ألف دينار، لزين الدين عبد الباسط بن خليل، فجدّد بناءها وبنى تجاهها جامعة.

تنكز الأشرفي: سيف الدين أبو سعيد خليل، جلبه إلى مصر وهو صغير الخواجا علاء الدين السوسيّ، فنشأ بها عند الملك الأشرف خليل بن قلاوون، فلما ملك السلطان الناصر محمد بن قلاوون أمّره أمرة عشرة، قبل توجهه إلى الكرك، وسافر معه إلى الكرك، وترسل عنه منها إلى الأفرم، فاتهمه أنّ معه كتبا إلى الأمراء بالشام، وعرض عليه العقوبة فارجف منه وعاد إلى الناصر. فقال له: إن عدت إلى الملك فانت نائب دمشق، فلما عاد إلى الملك جهزه إلى دمشق فوصلها في العشرين من ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وسبعمائة، فباشر النيابة وتمكن فيها وسار بالعساكر إلى ملطية «١» وافتتحها في محرّم سنة خمس عشرة، وعظم شأنه وأمّن الرعايا حتى لم يكن أحد من الأمراء يظلم ذميّا، فضلا عن مسلم، خوفا من بطشه، وشدّة عقوبته، وكان السلطان لا يفعل شيئا بمصر إلّا ويشاوره فيه وهو بالشام، وقدم غير مرّة على السلطان فاكرمه وأجله بحيث أنه انعم عليه في قدومه إلى مصر سنة ثلاث وثلاثين بما مبلغه ألف ألف درهم وخمسون ألف درهم، عنها خمسون ألف دينار ونيف، سوى الخيل، وزادت أملاكه وسعادته وأنشأ جامعا بدمشق بديع الوصف بهج الزي، وعدّة مواضع، وكان الناس في أيامه قد أمنوا كل سوء، إلّا أنه كان يتخيل خيالا فيحتدّ خلقه ويشتدّ غضبه، فهلك بذلك كثير من الناس، ولا يقدر أحد أن يوضح له الصواب لشدّة هيبته، وكان إذا أغضب لا يرضى البتة بوجه، وإذا بطش كان بطشه الجبارين، ويكون الذنب صغيرا فلا يزال يكبره، حتى يخرج في عقوبة فاعله عن الحدّ، ولم يزل إلى أن أشيع بدمشق أنه يريد العبور إلى بلاد الططر، فبلغ ذلك السلطان فتنكر له وجهز إليه من قبض عليه في ثالث عشرى ذي الحجة سنة أربعين، وأحيط بماله وقدم الأمير بشتاك إلى دمشق لقبضه، وخرج إلى مصر ومعه من مال تنكز وهو من الذهب العين ثلاثمائة ألف وستة وثلاثون ألف دينار، ومن الدراهم الفضة ألف ألف وخمسمائة ألف درهم، ومن الجوهر واللؤلؤ والزركش والقماش ثمانمائة حمل، ثم استخرج بعد ذلك من بقايا أمواله أربعون ألف دينار وألف ألف ومائة ألف درهم، فلما وصل تنكز إلى قلعة الجبل جهز إلى الاسكندرية واعتقل فيها نحو الشهر، وقتل في محتبسه ودفن بها في يوم الثلاثاء حادي عشرى المحرّم، سنة إحدى

<<  <  ج: ص:  >  >>