أنا قد حملت بركي، ولكن أشتهي منك أن تسأل الأمير ما ذنبي.
قال: فدخلت إلى الأمير وأخبرته بما قال الرجل. فقال: والله ما له عندي ذنب إلا أنّ هذا البرك وهذه الهمة يستحق بها أضعاف ما أعطي، فأنكرت عليه كيف رضي بهذا القدر اليسير وهو يستحق أن تكون أربعين ألف درهم، وتكون قليلة في حقه، فإذا خدم بثلاثين ألف درهم يكون قد ترك لنا عشرة آلاف درهم، فهذا ذنبه عندي.
فرجعت إلى الرجل فأعلمته بما قال الأمير فقال: إنما خدمت عند الأمير ورضيت بهذا القدر لعلمي أن الأمير إذا عرف حالي فيما بعد لا يقنع لي بهذا الجاري، فكنت على ثقة من إحسان الأمير أبقاه الله، وأما الآن فلا أرضى أن أخدم إلا بثلاثين ألف درهم كما قال الأمير.
فرجعت إلى الأمير وأخبرته بما قال الرجل فقال: يجري له ما طلب، وخلع عليه وأحسن إليه.
وكان الأمير فخر الدين جهاركس مقدّم الناصرية والحاكم بديار مصر في أيام الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى أن مات العزيز، فمال الأمير فخر الدين جهاركس إلى ولاية ابن الملك العزيز، وفاوض في ذلك الأمير سيف الدين يازكوج الأسديّ، وهو يومئذ مقدّم الطائفة الأسدية، وكان الملك العزيز قد أوصى بالملك لولده محمد، وأن يكون الأمير الطواشي بهاء الدين قراقوش الأسديّ مدبر أمره، فأشار يازكوج بإقامة الملك الأفضل عليّ بن صلاح الدين في تدبير أمير ابن العزيز، فكره جهاركس ذلك، ثم أنهم أقاموا ابن العزيز ولقبوه بالملك المنصور وعمره نحو تسع سنين، ونصبوا قراقوش اتابكا، وهم في الباطن يختلفون عليه، وما زالوا يسعون عليه في إبطال أمر قراقوش حتى اتفقوا على مكاتبة الأفضل المتقدّم ذكره، وحضوره إلى مصر ويعمل اتابكية المنصور مدّة سبع سنين حتى يتأهل بالاستبداد بالملك، بشرط أن لا يرفع فوق رأسه سنجق الملك، ولا يذكر اسمه في خطبة، ولا سكة، فلما سار القاصد إلى الأفضل بكتب الأمراء، بعث جهاركس في الباطن قصدا على لسانه ولسان الطائفة الصلاحية بكتبهم إلى الملك العادل أبي بكر بن أيوب، وكتب إلى الأمير ميمون القصريّ صاحب نابلس يأمره بأن لا يطيع الملك الأفضل، ولا يحلف له، فاتفق خروج الملك الأفضل من صرخد «١» ، ولقاه قاصد فخر الدين جهاركس فأخذ منه الكتب وقال: له ارجع فقد قضيت الحاجة، وسار إلى القاهرة ومعه القاصد، فلما خرج الأمراء من القاهرة إلى لقائه ببلبيس، فعمل له فخر الدين سماطا احتفل فيه احتفالا زائدا لينزل عنده، فنزل عند أخيه الملك المؤيد نجم الدين مسعود، فشق ذلك على جهاركس، وجاء إلى خدمته، فلما فرغ من طعام أخيه صار إلى خيمة جهاركس