فمرض عقيب ذلك ومات ليلة الجمعة الرابع من شعبان، فأظهر السلطان لموته جزعا مفرطا وحزنا زائدا، وصرخ بأعلى صوته واولداه، ورمى كلوتته عن رأسه إلى الأرض وبقي مكشوف الرأس إلى أن دخل الأمراء إليه وهو مكشوف الرأس يصرخ واولداه، فعندما عاينوه كذلك ألقوا كلوتاتهم عن رؤوسهم وبكوا ساعة، ثم أخذ الأمير طرنطاي النائب شاش السلطان من الأرض وناوله للأمير سنقر الأشقر، فأخذه ومشى وهو مكشوف الرأس، وباس الأرض وناول الشاش للسلطان، فدفعه وقال: ايش أعمل بالملك بعد ولدي، وامتنع من لبسه، فقبّل الأمراء الأرض يسألون السلطان في لبس شاشه، ويخضعون له في السؤال ساعة حتى أجابهم وغطى رأسه، فلما أصبح خرجت جنازته من القلعة ومعها الأمراء من غير حضور السلطان، وصاروا بها إلى تربة أمه المعروفة «١» خاتون، قريبا من المشهد النفيسيّ، فواروه وانصرفوا، فلما كان يوم السبت ثانية، نزل السلطان من القلعة وعليه البياض تحزنا على ولده، وسار ومعه الأمراء بثياب الحزن إلى قبر ابنه وأقيم العزاء لموته عدّة أيام.
خان السبيل: هذا الخان خارج باب الفتوح، قال ابن عبد الظاهر: خان السبيل بناه الأمير بهاء الدين أبو سعيد قراقوش بن عبد الله الأسديّ خادم أسد الدين شيركوه، وعتيقه لأبناء السبيل والمسافرين بغير أجرة، وبه بئر ساقية وحوض.
وقراقوش هذا: هو الذي بنى السور المحيط بالقاهرة ومصر وما بينهما، وبنى قلعة الجبل، وبنى القناطر التي بالجيزة على طريق الأهرام، وعمر بالمقس رباطا، وأسره الفرنج في عكا وهو واليها، فافتكه السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بعشرة آلاف دينار، وتوفي مستهل رجب سنة سبع وسبعين وخمسمائة، ودفن بسفح الجبل المقطم من القرافة.
خان منكورش: هذا الخان بخط سوق الخيميين بالقرب من الجامع الأزهر. قال ابن عبد الظاهر: خان منكورش بناه الأمير ركن الدين منكورش زوج أمّ الأوحد بن العادل، ثم انتقل إلى ورثته، ثم انتقل إلى الأمير صلاح الدين أحمد بن شعبان الأبلي. فوقفه، ثم تحيل ولده في إبطال وقفه، فاشتراه منه الملك الصالح بعشرة آلاف دينار مصرية، وجعله مرصدا لوالدة خليل، ثم انتقل عنها. انتهى.
قال مؤلفه: ومنكورش هذا كان أحد مماليك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب، وتقدّم حتى صار أحد الأمراء الصالحية، وعرف بالشجاعة والنجدة، وإصابة الرأي وجودة الرمي وثبات الجأش، فلما مات في شوّال سنة سبع وسبعين وخمسمائة، أخذ إقطاعه الأمير ياركوج الأسديّ، وهذا الخان الآن يعرف بخان النشارين، على يسرة من سلك من الخراطين إلى الخيميين، وهو وقف على جهات برّ.