وجب في تركة بعض أمراء السلطان حسن قباء بفرو قاقم، فاستكثر ذلك عليه وتعجب منه، وصار يحكى ذلك مدّة لعزّة هذا الصنف واحترامه، لكونه من ملابس السلطان وملابس نسائه، ثم تبذلت الأصناف المذكورة حتى صار يلبس السمور آحاد الأجناد وآحاد الكتاب، وكثير من العوام، ولا تكاد امرأة من نساء بياض الناس تخلو من لبس السمور ونحوه، وإلى الآن عند الناس من هذا الصنف وغيره من الفرو شيء كثير.
سوق البخانقيين: هذا السوق فيما بين سوق الجملون الكبير وبين قيسارية الشرب الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى عند ذكر القياسر. وباب هذا السوق شارع من القصبة، ويعرف بسوق الخشيبة تصغير خشبة، فإنه عمل على بابه المذكور خشبة تمنع الراكب من التوصل إليه، ويسلك من هذا السوك إلى قيسارية الشرب وغيرها. وهو معمور الجانبين بالحوانيت المعدّة لبيع الكوافي والطواقي التي تلبسها الصبيان والبنات، وبظاهر هذا السوق أيضا في القصة عدّة حوانيت لبيع الطواقي وعملها، وقد كثر لبس رجال الدولة من الأمراء والمماليك والأجناد ومن يتشبه بهم للطواقي في الدولة الجركسية، وصاروا يلبسون الطاقية على رؤوسهم بغير عمامة، ويمرّون كذلك في الشوارع والأسواق والجوامع والمواكب لا يرون بذلك بأسا بعد ما كان نزع العمامة عن الرأس عارا وفضيحة، ونوّعوا هذه الطواقي ما بين أخضر وأحمر وأزرق وغيره من الألفوان، وكانت أوّلا ترتفع نحو سدس ذراع، ويعمل أعلاها مدوّرا مسطحا، فحدث في أيام الملك الناصر فرج منها شيء عرف بالطواقي الجركسية، يكون ارتفاع عصابة الطاقية منها نحو ثلثي ذراع، وأعلاها مدوّر مقبب، وبالغوا في تبطين الطاقية بالورق والكتيرة، فيما بين البطانة المباشرة للرأس والوجه الظاهر للناس، وجعلوا من أسفل العصابة المذكورة زيقا من فرو القرض الأسود يقال له القندس، في عرض نحو ثمن ذراع، يصير دائرا بجبهة الرجل وأعلى عنقه، وهم على استعمال هذا الزيّ إلى اليوم، وهو من أسمج ما عانوه، ويشبه الرجال في لبس ذلك بالنساب لمعنيين، أحدهما أنه فشا في أهل الدولة محبة الذكران، ليستملن قلوب رجالهنّ، فاقتدى بفعلهنّ في ذلك عامة نساء البلد. وثانيهما ما حدث بالناس من الفقر ونزل بهم من الفاقة، فاضطرّ حال نساء أهل مصر إلى ترك ما أدركنا فيه النساء من لبس الذهب والفضة والجواهر ولبس الحرير، حتى لبسن هذه الطواقي وبالغن في عملها من الذهب والحرير وغيره، وتواصين على لبسها، ومن تأمل أحوال الوجود عرف كيف تنشأ أمور الناس في عاداتهم وأخلاقهم ومذاهبهم.
سوق الخلعيين: هذا السوق فيما بين قيسارية الفاضل الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى، وبين باب زويلة الكبير، وكان يعرف قديما بالخشابين، وعرف اليوم بالزقيق تصغير زقاق، وعرف أيضا بسوق الخلعيين، كأنه جمع خلعيّ، والخلعيّ في زماننا هو الذي يتعاطى بيع الثياب الخليع، وهي التي قد لبست، وهذا السوق اليوم من أعمر أسواق القاهرة لكثرة ما يباع فيه من ملابس أهل الدولة وغيرهم، وأكثر ما يباع فيه الثياب المخيطة، وهو معمور