للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويعرف بميدان العيد، وبنى مصطبة هناك، وأقام ينزل في كل يوم من الظهر، ويركب منها عشاء الآخرة، وهو واقف في الشمس يرمي ويحرّض الناس على الرمي والرهان، فما بقي أمير ولا مملوك إلا وهذا شغله، واستمرّ الحال في كل يوم على ذلك حتى صارت تلك الأمكنة لا تسع الناس، وما بقي لأحد شغل إلّا لعب الرمح ورمي النشاب. وفي شهر رمضان سنة اثنتين وسبعين وستمائة، تقدّم السلطان الملك الظاهر إلى عساكره بالتأهب للركوب واللعب بالقبق ورمي النشاب، واتفقت نادرة غريبة، وهو أنه أمر برش الميدان الأسود تحت القلعة لأجل الملعب، فشرع الناس في ذلك، وكان يوما شديد الحرّ، فأمر السلطان بتبطيل الرش رحمة للناس، وقال: الناس صيام وهذا يوم شديد الحرّ، فبطل الرش، وأرسل الله تعالى مطرا جودا استمرّ ليلتين ويوما حتى كثر الوحل وتلبدت الأرض وسكن العجاج وبرد الجوّ ولطف الهواء، فوكل السلطان من يحفظه من السوق فيه يوم اللعب، وهو يوم الخميس السادس والعشرون من شهر رمضان، وأمر بركوب جماعة لطيفة من كل عشرة اثنان، وكذلك من كل أمير، ومن كل مقدّم لئلا تضيق الدنيا بهم. فركبوا في أحسن زيّ، وأجمل لباس، وأكمل شكل، وأبهى منظر، وركب السلطان ومعه من خواصه ومماليكه ألوف، ودخلوا في الطعان بالرماح، فكل من أصاب خلع عليه السلطان، ثم ساق في مماليكه الخواص خاصة، ورتبهم أجمل ترتيب، واندفق بهم اندفاق البحر، فشاهد الناس أبهة عظيمة، ثم أقيم القبق ودخل الناس لرمي النشاب، وجعل لمن أصاب من المفاردة رجال الحلقة والبحرية الصالحية وغيرهم بغلطاقا بسنجاب، وللأمراء فرسا من خيله الخاص بتشاهيره ومراواته الفضية والذهبية ومزاخمه، وما زال في هذه الأيام على هذه الصورة يتنوّع في دخوله وخروجه، تارة بالرماح، وتارة بالنشاب، وتارة بالدبابيس، وتارة بالسيوف مسلولة، وذلك أنه ساق على عادته في اللعب وسلّ سيفه، وسلّ مماليكه سيوفهم، وحمل هو ومماليكه حملة رجل واحد، فرأى الناس منظرا عجيبا، وأقام على ذلك كل يوم من بكرة النهار إلى قريب المغرب، وقد ضربت الخيام للنزول للوضوء والصلاة، وتنوّع الناس في تبديل العدد والآلات، وتفاخروا وتكاثروا، فكانت هذه الأيام من الأيام المشهودة، ولم يبق أحد من أبناء الملوك، ولا وزير، ولا أمير كبير ولا صغير، ولا مفردي، ولا مقدّم من مقدّمي الحلقة، ومقدّمي البحرية الصالحية، ومقدّمي المماليك الظاهرية البحرية، ولا صاحب شغل، ولا حامل عصا في خدمة السلطان على بابه، ولا حامل طير في ركاب السلطان، ولا أحد من خواص كتاب السلطان، إلّا وشرّف بما يليق به على قدر منصبه، ثم تعدّى إحسان السلطان لقضاة الإسلام والأئمة وشهود خزانة السلطان، فشرّفهم جميعهم، ثم الولاة كلهم، وأصبحوا بكرة يوم الأحد ثامن عشري شهر رمضان لابسين الخلع جميعهم في أحسن صورة وأبهج زي وأبهى شكل وأجمل زينة، بالكلوتات الزركش بالذهب، والملابس التي ما سمع بأن أحدا جاد بمثلها، وهي ألوف، وخدم الناس جميعهم

<<  <  ج: ص:  >  >>