للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا أعزّك الله معنى المكس عند أهل الإسلام، لا ما أحدثه الظالم هبة الله بن صاعد الفائزيّ، وزير الملك المعز ايبك التركمانيّ، أوّل من أقام من ملوك الترك بقلعة الجبل من المظالم التي سمّاها الحقوق السلطانية والمعاملات الديوانية، وتعرف اليوم بالمكوس، فذلك الرجس النجس الذي هو أقبح المعاصي والذنوب الموبقات، لكثرة مطالبات الناس له وظلاماتهم عنده، وتكرّر ذلك منه وانتهاكه للناس وأخذ أموالهم بغير حقها، وصرفها في غير وجهها، وذلك الذي لا يقرّ به متق. وعلى آخذه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

ولنرجع إلى الكلام في المقس فنقول: من الناس من يسميه المقسم بالميم بعد السين.

قال ابن عبد الظاهر في كتاب خطط القاهرة: وسمعت من يقول أنه المقسم، قيل لأن قسمة الغنائم عند الفتوح كانت به، ولم أره مسطورا. وقال العماد محمد بن أبي الفرج محمد بن حامد الكاتب الأصفهانيّ في كتاب سنا البرق الشاميّ: وجلس الملك الكامل محمد بن السلطان الملك العادل أبي بكر بن أيوب في البرج الذي بجوار جامع المقس في السابع والعشرين من شوال سنة ست وتسعين وخمسمائة، وهذا المقسم على شاطىء النيل يزار، وهناك مسجد يتبرّك به الأبرار، وهو المكان الذي قسمت فيه الغنائم عند استيلاء الصحابة رضي الله عنهم على مصر، فلما أمر السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بإدارة السور على مصر والقاهرة، تولى ذلك الأمير بهاء الدين قراقوش، وجعل نهايته التي تلي القاهرة عند المقسم، وبنى فيه برجا مشرفا على النيل، وبنى مسجدا جامعا، واتصلت العمارة منه إلى البلد، وجامعه تقام فيه الجمعة والجماعات، وهذا البرج عرف بقلعة قراقوش، وما برح هنالك إلى أن هدمه الصاحب الوزير شمس الدين عبد الله المقسيّ وزير الملك الأشرف شعبان بن حسين بن محمد بن قلاون، في سنة بضع وسبعين وسبعمائة، عندما جدّد جامع المقس الذي أنشأه الخليفة الحاكم بأمر الله، فصار يعرف بجامع المقسيّ، هذا إلى اليوم، وما برح جامع المقس هذا يشرف على النيل الأعظم إلى ما بعد سنة سبعمائة بعدّة أعوام.

قال جامع السيرة الطولونية: وركب أحمد بن طولون في غداة باردة إلى المقس، فأصاب بشاطئ النيل صيادا عليه خلق لا يواريه منه شيء، ومعه صبيّ له في مثل حاله وقد ألقى شبكته في البحر، فلما رآه رقّ لحاله وقال: يا نسيم ادفع إلى هذا عشرين دينارا، فدفعها إليه ولحق ابن طولون، فسار أحمد بن طولون ولم يبعد ورجع فوجد الصياد ميتا والصبيّ يبكي ويصيح، فظن ابن طولون أن بعض سودانه قتله وأخذ الدنانير منه، فوقف بنفسه عليه وسأل الصبيّ عن أبيه فقال له: هذا الغلام، وأشار إلى نسيم الخادم، دفع إلى أبي شيئا فلم يزل يقلّبه حتى وقع ميتا. فقال: فتشه يا نسيم، فنزل وفتشه فوجد الدنانير معه بحالها، فحرّض الصبيّ أن يأخذها فأبى وقال: هذه قتلت أبي، وإن أخذتها قتلتني، فأحضر ابن طولون قاضي المقس وشيوخه وأمرهم أن يشتروا للصبيّ دارا بخمسمائة دينار

<<  <  ج: ص:  >  >>