للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بدت تملأ الأبصار نورا بحسنها ... فأخجل نور الروض والزهر بالزهر

عروس يسرّ النفس مكنون سرّها ... وتصبح في كل الحواس إذا تسري

فللذوق منها مطعم الشهد رائقا ... وللشم منها فائق المسك بالنشر

وفي لونها للطرف أحسن نزهة ... يميل إلى رؤياه من سائر الزهر

تركّب من قان وأبيض فانثنت ... تتيه على الأزهار عالية القدر

فيكسف نور الشمس حمرة لونها ... وتخجل من مبيضّه طلعة البدر

علت رتبة في حسنها وكأنها ... زبرجد روض جاده وابل القطر

تبدّت فأبدت ما أجنّ من الهوى ... وجاءت فولت جند همي والفكر

جميلة أوصاف جليلة رتبة ... تغالت فغالى في مدائحها شعري

فقم فانف جيش الهمّ واكفف يد العنا ... بهندية أمضى من البيض والسمر

بهندية في أصل إظهار أكلها ... إلى الناس لا هندية اللون كالسّمر

تزيل لهيب الهمّ عنّا بأكلها ... وتهدي لنا الأفراح في السرّ والجهر

قال: وأنا أقول إنه قديم معروف منذ أوجد الله تعالى الدنيا، وقد كان على عهد اليونانيين، والدليل على ذلك ما نقله الأطباء في كتبهم عن بقراط وجالينوس من مزاج هذا العقار وخواصه، ومنافعه ومضارّه، قال ابن جزلة في كتاب منهاج البيان: القنب الذي هو ورق الشهدانج، منه بستانيّ ومنه برّيّ، والبستانيّ أجوده، وهو حار يابس في الدرجة الثالثة، وقيل حرارته في الدرجة الأولى، ويقال أنه بارد يابس في الدرجة الأولى، والبريّ منه حار يابس في الدرجة الرابعة. قال: ويسمى بالكفّ. أنشدني تقيّ الدين الموصلي:

كف كفّ الهموم بالكفّ فالك ... فّ شفاء للعاشق المهموم

بابنة القنّب الكريمة لا بابن ... ة كرم بعد البنت الكروم

قال: والفقراء إنما يقصدون استعماله مع ما يجدون من اللذة تجفيفا للمنيّ، وفي إبطاله قطع لشهوة الجماع كي لا تميل نفوسهم إلى ما يوقع في الزنا. وقال بعض الأطباء:

ينبغي لمن يأكل الشهدانج أو ورقه، أن يأكله مع اللوز أو الفستق أو السكر أو العسل أو الخشخاش، ويشرب بعده السكنجبين ليدفع ضرره، وإذا قلي كان أقلّ لضرره، ولذلك جرت العادة قبل أكله أن يقلى، وإذا أكل غير مقليّ كان كثير الضرر، وأمزجة الناس تختلف في أكله، فمنهم من لا يقدر أن يأكله مضافا إلى غيره، ومنهم من يضيف إليه السكر أو العسل أو غيره من الحلاوات. وقرأت في بعض الكتب أن جالينوس قال إنها تبرىء من التخمة، وهي جيدة للهضم، وذكر ابن جزلة في كتاب المنهاج أن بزر شجر القنب البستانيّ هو الشهدانج، وثمره يشبه حب السمنة، وهو حب يعصر منه الدهن. وحكي عن حنين بن إسحاق أنّ شجرة البري تخرج في القفار المنقطعة على قدر ذراع، وورقه يغلب عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>