سيروا بنا ننظر إلى السفن التي سيرها الله تعالى إلينا من أرض فرعون حتى أتتنا. فأتى الجار وقال: اغتسلوا من ماء البحر فإنه مبارك، فلما قدمت السفن الجار وفيها الطعام، صك عمر رضي الله عنه للناس بذلك الطعام صكوكا، فتبايع التجار الصكوك بينهم قبل أن يقبضوها، فلقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه العلاء بن الأسود رضي الله عنه فقال: كم ربح حكيم بن حزام؟ فقال: ابتاع من صكوك الجار بمائة ألف درهم وربح عليها مائة ألف، فلقيه عمر رضي الله عنه فقال له: يا حكيم كم ربحت؟ فأخبره بمثل خبر العلاء. قال عمر رضي الله عنه: فبعته قبل أن تقبضه؟ قال نعم. قال عمر رضي الله عنه: فإنّ هذا بيع لا يصح فاردده.
فقال حكيم: ما علمت أن هذا بيع لا يصح، وما أقدر على ردّه. فقال عمر رضي الله عنه: لا بدّ. فقال حكيم: والله ما أقدر على ذلك، وقد تفرّق وذهب، ولكن رأس مالي وربحي صدقة.
وقال القضاعيّ في ذكر الخليج: أمر عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمرو بن العاص عام الرمادة بحفر الخليج الذي بحاشية الفسطاط الذي يقال له خليج أمير المؤمنين، فساقه من النيل إلى القلزم، فلم يأت عليه الحول حتى جرت فيه السفن، وحمل فيه ما أراد من الطعام إلى المدينة ومكة، فنفع الله تعالى بذلك أهل الحرمين، فسمي خليج أمير المؤمنين.
وذكر الكنديّ في كتاب الجند العربيّ أن عمرا حفره في سنة ثلاث وعشرين، وفرغ منه في ستة أشهر، وجرت فيه السفن ووصلت إلى الحجاز في الشهر السابع، ثم بنى عليه عبد العزيز بن مروان قنطرة في ولايته على مصر. قال: ولم يزل يحمل فيه الطعام حتى حمل فيه عمر بن عبد العزيز، ثم أضاعته الولاة بعد ذلك فترك وغلب عليه الرمل، فانقطع وصار منتهاه إلى ذنب التمساح من ناحية بطحاء القلزم.
وقال ابن قديد: أمر أبو جعفر المنصور بسدّ الخليج حين خرج عليه محمد بن عبد الله بن حسن بالمدينة ليقطع عنه الطعام، فسدّ إلى الآن.
وذكر البلاذري أن أبا جعفر المنصور لما ورد عليه قيام محمد بن عبد الله قال: يكتب الساعة إلى مصر أن تقطع الميرة عن أهل الحرمين، فإنهم في مثل الحرجة إذا لم تأتهم الميرة من مصر.
وقال ابن الطوير وقد ذكر ركوب الخليفة لفتح الخليج، وهذا الخليج هو الذي حفره عمرو بن العاص لما ولي على مصر في أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من بحر فسطاط مصر الحلو، وألحقه بالقلزم بشاطئ البحر الملح، فكانت مسافته خمسة أيام، لتقرب معونة الحجاز من ديار مصر في أيام النيل، فالمراكب النيلية تفرّغ ما تحمله من ديار مصر بالقلزم، فإذا فرغت حملت ما في القلزم مما وصل من الحجاز وغيره إلى مصر، وكان مسلكا للتجار وغيرهم في وقته المعلوم، وكان أوّل هذا الخليج من مصر يشق الطريق