حدّ بساتين الوزير المذكورة، والحدّ الغربيّ ينتهي إلى بعضه إلى بحر النيل وإلى أراضي دير الدين وإلى بعض حقوق جزيرة ابن الصابونيّ وجسر بستان المعشوق الذي هو من حقوق الجزيرة المذكورة، وهذه البركة وقف الأشراف الأقارب والطالبيين نصفين بينهما بالسوية، والذي شاهدته من أمرها أني وقفت على أسجال قاضي القضاة بدر الدين أبي المحاسن يوسف السنجاريّ رحمة الله تعالى تعالى عليه تاريخه ثاني عشر ربيع الآخر سنة أربعين وستماة، وهو حين ذاك حاكم القاهرة والوجه البحريّ على محضر شهد فيه بالاستفاضة، أن نصف هذه البركة وقف على الأشراف الأقارب الحسينيين، وثبت ذلك عنده، ورأيت أسجال الشيخ قاضي القضاة عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله على محضر شهد فيه بالاستفاضة، وهو حين ذلك قاضي مصر والوجه القبليّ، وأشهد عليه أن ثبت عنده أن البركة المذكورة جميعها وقف على الأشراف الطالبيين، وتاريخ اسجالة التاسع والعشرون من شهر ربيع الآخر سنة أربعين وستمائة، ثم نفذهما جميعا في تاريخ واحد قاضي القضاة وجيه الدين البهنسيّ، وهو قاضي القضاة حين ذاك، ثم نفذهما قاضي القضاة بدر الدين أبو عبد الله محمد بن جماعة، وهو قاضي القضاة بالديار المصرية، واستقرّ النصف من ربع هذه البركة على الأشراف الأقارب مع قلتهم، والنصف على الأشراف الطالبيين مع كثرتهم، وتنازعوا غير مرّة على أن تكون بينهم الجميع بالسوية، فلم يقدروا على ذلك، وعقد لهم مجل غير مرّة فلم يقدروا على تغييره، وأحسن ما وصفت به بركة الحبش قول عيسى بن موسى الهاشميّ أمير مصر وقد خرج إلى الميدان الذي بطرف المقابر فقال لمن معه: أتتأملون الذي أرى، قالوا وما الذي يرى الأمير؟ قال: أرى ميدان رهان وجنان نخل وبستان شجر ومنازل سكنى وذروة جبل وجبانة أموات ونهر أعجاجا وأرض زرع ومراعي ماشية ومرتع خيل وساحل بحر وصائد نهر وقانص وحش وملاح سفينة وحادي إبل ومفازة رمل وسهلا وجبلا، فهذه ثمانية عشر منتزها في أقلّ من ميل في ميل، وأين هذه الأوقاف من وصف بعضهم قصر أنس بالبصرة في قوله:
زر وادي القصر نعم القصر والوادي ... لا بدّ من زورة من غير ميعاد
زره فليس له شيء يشاكله ... من منزل حاضر إن شئت أوبادي
تلقى به السفن والأعياس حاضرة ... والضب والنون والملاح والحادي
وقال:
زر وادي القصر نعم القصر والوادي ... وحبذا أهله من حاضر بادي
تلقى قراقرة والعيس واقفة ... والضب والنون والملاح والحادي
هكذا أنشدهما أبو الفرج الأصبهانيّ رحمه الله تعالى في كتاب الأغاني، ونسبهما لابن عيينة بن المنهال بن محمد بن أبي عيينة بن المهلب بن أبي صفرة، شاعر من ساكني