للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعرفت تلك الخطة كلها ببركة قرموط، وأدركنا بها ديارا جليلة تناهى أربابها في أحكام بنائها وتحسين سقوفها، وبالغوا في زخرفتها بالرخام والدهان، وغرسوا بها الأشجار وأجروا إليها المياه من الآبار، فكانت تعدّ من المساكن البديعة النزهة، وأكثر من كان يسكنها الكتاب مسلموهم ونصاراهم، وهم في الحقيقة المترفون أولو النعمة، فكم حوت تلك الديار من حسن ومستحسن، وأني لأذكرها وما مررت بها قد إلّا وتبين لي من كل دار هناك آثار النعم، أما روائح تقالي المطابخ أو عبير بخور العود والندّ، أو نفحات الخمر، أو صوت غناء، أو دقّ هاون ونحو ذلك مما يبين عن ترف سكان تلك الديار ورفاهة عيشهم وغضارة نعمهم، ثم هي الآن موحشة خراب، قد هدمت تلك المنازل وبيعت أنقاضها منذ كانت الحوادث بعد سنة ست وثمانمائة، فزالت الطرق وجهلت الأزقة وانكشفت البركة، وبقي حولها بساتين خراب، وبلغني أن المراكب كانت تعبر إلى هذه البركة للتنزه، وما أحسب ذلك كان، فإنها كانت من جملة البستان، ولم ينقل إنه كان يقربها خليج سوى الخور، ويبعد أن يصل إليها، والله أعلم.

وقرموط هذا هو أمين الدين قرموط مستوفي الخزانة السلطانية.

بركة قراجا: هذه البركة خارج الحسينية، قريبا من الخندق، عرفت بالأمير زين الدين قراجا التركماني، أحد أمراء مصر، أنعم عليه السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون بالإمرة في سنة سبع عشرة وسبعمائة.

البركة الناصرية: هذه البركة من جملة جنان الزهريّ، فلما خربت جنان الزهريّ صار موضعها كوم تراب إلى أن أنشأ السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون ميدان المهاري، في سنة عشرين وسبعمائة، وأراد بناء الزريبة بجانب الجامع الطبرسيّ، احتاج في بنائها إلى طين، فركب وعين مكان هذه البركة، وأمر الفخر ناظر الجيش فكتب أوراقا بأسماء الأمراء، وانتدب الأمير بيبرس الحاجب فنزل بالمهندسين فقاسوا دور البركة ووزع على الأمراء بالأقصاب، فنزل كل أمير وضرب خيمة لعمل ما يخصه، فابتدؤا العمل في يوم الثلاثاء تاسع عشر شهر ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وسبعمائة، فتمادى الحفر إلى جانب كنيسة الزهريّ، وكان إذ ذاك في تلك الأرض عدّة كنائس، ولم يكن هناك شيء من العمائر التي هي اليوم حول البركة الناصرية، ولا من العمائر التي في خط قناطر السباع ولا في خط السبع سقايات إلى قنطرة السدّ، وإنما كانت بساتين وكنائس وديورة للنصارى، فاستولى الحفر على ما حول كنيسة الزهريّ وصارت في وسط الحفر، حتى تعلقت، وكان القصد أن تسقط من غير تعمد هدمها، فأراد الله تعالى هدمها على يد العامّة كما ذكر في خبرها عند ذكر كنائس النصارى من هذا الكتاب، فلما تمّ حفر البركة نقل ما خرج منها من الطين إلى الزريبة، وأجرى إليها الماء من جوار الميدان السلطانيّ الكائن بأراضي بستان الخشاب عند

<<  <  ج: ص:  >  >>