للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المذكور خوفا على القاهرة من الغرق.

الجسر بوسط النيل: وكان سبب عمل هذا الجسر، أن ماء النيل قوي رميه على ناحية بولاق، وهدم جامع الخطيري، ثم جدّد وقوّيت عمارته وتيار البحر لا يزداد من ناحية البرّ الشرقيّ إلّا قوة، فأهمّ الملك الناصر أمره وكتب في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة بطلب المهندسين من دمشق وحلب والبلاد الفراتية، وجمع المهندسين من أعمال مصر كلها قبليها وبحريها، فلما تكاملوا عنده ركب بعساكره من قلعة الجبل إلى شاطيء النيل، ونزل في الحراقة وبين يديه الأمراء وسائر أرباب الخبرة من المهندسين، وجولة الجسور، وكشف أمر شطوط النيل، فاقتضى الحال أن يعمل جسرا فيما بين بولاق وناحية أنبوبه من البرّ الغربي، ليردّ قوّة التيار عن البرّ الشرقيّ إلى البرّ الغربيّ، وعاد إلى القلعة فكتبت مراسيم إلى ولاة الأعمال بإحضار الرجال صحبة المشدّين، واستدعى شادّ العمائر السلطانية وأمره بطلب الحجارين، وقطع الحجر من الجبل، وطلب رئيس البحر وشادّ الصناعة لإحضار المراكب، فلم يمض سوى عشرة أيام حتى تكامل حضور الرجال مع الشادّين من الأقاليم، وندب السلطان لهذا العمل الأمير أقبغا عبد الواحد، والأمير برصبغا الحاجب، فبرز لذلك وأحضر والي القاهرة ووالي مصر، وأمرا بجمع الناس وتسخير كل أحد للعمل، فركبا وأخذا الحرافيش من الأماكن المعروفة بهم، وقبضا على من وجد في الطرقات وفي المساجد والجوامع، وتتبّعاهم في الأسحار، ووقع الاهتمام الكبير في العمل من يوم الأحد عاشر ذي القعدة، وكانت أيام القيظ، فهلك فيه عدّة من الناس، والأمير أقبغا في الحراقة يستحث الناس على إنجاز العمل، والمراكب تحمل الحجر من الفص الكبير إلى موضع الجسر، وفي كل قليل يركب السلطان من القلعة ويقف على العمل، ويهين أقبغا ويسبه ويستحثه حتى تمّ العمل للنصف من ذي الحجة، وكانت عدّة المراكب التي غرقت فيه وهي مشحونة بالحجارة اثني عشر مركبا، كل مركب منها تحمل ألف أردب غلة، وعدّة المراكب التي ملئت بالحجر حتى ردم وصار جسرا، ثلاثة وعشرون ألف مركب، سوى ما عمل فيه من آلات الخشب والسرياقات، وحفر في الجزيرة خليج وطئ، فلما جرى النيل في أيام الزيادة مرّ في ذلك الخليج ولم يتأثر الجسر من قوّة التيار، وصارت قوّة جري النيل من ناحية أنبوبة بالبرّ الغربيّ ومن ناحية التكروريّ أيضا، فسرّ السلطان بذلك وأعجبه إعجابا كثيرا، وكان هذا الجسر سبب انطراد الماء عن برج القاهرة حتى صار إلى ما صار إليه الآن.

الجسر فيما بين الجيزة والروضة: كان السبب المقتضى لعمل هذا الجسر، أن الملك الناصر لما عمل الجسر فيما بين بولاق وناحية أنبوبة وناحية التكروريّ، انطرد ماء النيل عن برّ القاهرة، وانكشفت أراض كثيرة، وصار الماء يحاض من برّ مصر إلى المقياس، وانكشف من قبالة منشأة المهرانيّ إلى جزيرة الفيل وإلى منية الشيرج، وصار الناس يجدون مشقّة لبعد الماء عن القاهرة، وغلت روايا الماء حتى بيعت كلّ راوية بدر همين بعد ما كانت بنصف وربع

<<  <  ج: ص:  >  >>