وحفظها القرآن وكتابتها الخط، وروايتها الأشعار والأخبار، وجودة غنائها وضربها بالعود ولعبها بالشطرنج، وهن يتفاخرن فتقول الواحدة آخذ قلب سيدي في ثلاثة أيام، فتقول الأخرى أنا آخذ قلبه في يوم، فتقول الأخرى أنا أخذ قلبه في ساعة، فتقول الأخرى أنا آخذ قلبه في طرفة عين، وكان ينعم على جميع من في خدمته من أرباب السيوف والأقلام بكلّ جليل من البلاد والأموال والجواهر والخيول المجللة بالذهب وغير ذلك، إلّا الفيلة فإنه لا يشاركه فيها أحد، وللثلاثة آلاف فيل راتب عظيم، فأكثرها مؤنة له في كلّ يوم أربعون رطلا من أرز، وستون رطلا من شعير، وعشرون رطلا من سمن، ونصف حمل من حشيش، وقيّمها جليل القدر، إقطاعه مثل إقليم العراق، وإذا وقف السلطان للحرب كان أهل العلم حوله والرماة قدّامه وخلفه، وأمامه الفيلة كما تقدّم عليها الفيالة، وقدّامها العبيد المشاة، والخيل في الميمنة والميسرة، فتهيأ له من النصر ما لا تهيأ لأحد ممن تقدّمه، ففتح الممالك وهدم قواعد الكفار ومحا صور معابدهم، وأبطل فخرهم، وكان يجلس كلّ يوم ثلاثاء جلوسا عامّا على تخت مصفح بالذهب، وعلى رأسه حبر في موكب عظيم، وينادي مناديه من له شكوى في شخص، فينظر في ظلامات الناس، وكان لا يوجد بدهلي في أيامه خمر البتة.
وأوّل من ملك مدينة دهلي قطب الدين أيبك، وذلك أن شهاب الدين محمد بن سالم بن الحسين، أحد الملوك الغورية، فتح الهند بعد عدّة حروب، وأقطع مملوكه أيبك هذا مدينة دهلي، فبعث أيبك عسكرا عليه محمد بن بختيار، فأخذ إلى تخوم الصين، وذلك كله في سنة سبع وأربعين وخمسمائة، ثم ولي بعده ايتمش بن أيبك أربعين سنة، فقام بعده ابنه علاء الدين عليّ بن ايتمش بن أيبك، ثم أخوه معز الدين بن أيتمش، ثم أخته رضية خاتون فأقامت ثلاث سنين، ثم أخوها ناصر الدين بن ايتمش فأقام أربعا وعشرين سنة، ثم قام بعده مملوكه غياث الدين بليان سبعا وعشرين سنة، ثم بعده معز الدين نيابا خمس سنين، ثم ابنه شمس الدين كيمورس سبعة أشهر، ثم خرج الملك عن بيت السلطان شمس الدين ايتمش، وقويت التركمان العلجية وكانوا أمراء يقال للواحد منهم خان، واستبدّ كبيرهم جلال الدين فيروز سبع سنين، ثم ابن أخيه علاء الدين محمود بن شهاب مسعود اثنتين وعشرين سنة، ومات سنة خمس عشرة وسبعمائة، ثم ابنه شهاب الدين عمر بن محمود بن مسعود سنة واحدة، ولقب غياث الدين، ثم أخوه قطب الدين مبارك بن محمود أربع سنين وقتل سنة عشرين وسبعمائة، ثم علاء الدين خسر ومملوك علاء الدين محمود سبعة أشهر، وملك غياث الدين طغلق شاه مملوك السلطان علاء الدين محمود بن مسعود في أوّل شعبان سنة عشرين وسبعمائة، ثم ملك بعده ابنه محمد بن طغلق شاه صاحب الترجمة. هذا آخر ما وجد بخطه رحمه الله تعالى.
ووجد بخطه أيضا رحمه الله تعالى: ما أحسن قول الأديب محمد بن حسن بن شاور النقيب: