بالكلية، وفي أيام احتراق النيل يتصل برّها ببرّ الفسطاط من جهة خليج القاهرة، ويبقى موضع الجسر فيه مراكب، وركبت مرّة هذا النيل أيام الزيادة مع الصاحب المحسن محيي الدين بن ندا وزير الجزيرة، وصعدنا إلى جهة الصعيد، ثم انحدرنا واستقبلنا هذه الجزيرة، وأبراجها تتلالأ والنيل قد انقسم عنها فقلت:
تأمّل لحسن الصالحية إذ بدت ... وأبراجها مثل النجوم تلالا
وللقلعة الغرّاء كالبدر طالعا ... تفرّج صدر الماء عنه هلالا
ووافى إليها النيل من بعد غاية ... كما زار مشغوف يروم وصالا
وعانقها من فرط شوق لحسنها ... فمدّ يمينا نحوها وشمالا
ولم تزل هذه القلعة عامرة حتى زالت دولة بني أيوب، فلما ملك السلطان الملك المعز عز الدين أيبك التركماني أوّل ملوك الترك بمصر أمر بهدمها، وعمر منها مدرسته المعروفة بالمعزية في رحبة الحناء بمدينة مصر، وطمع في القلعة من له جاه، فأخذ جماعة منها عدّة سقوف وشبابيك كثيرة وغير ذلك، وبيع من أخشابها ورخامها أشياء جليلة، فلما صارت مملكة مصر إلى السلطان الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري، اهتم بعمارة قلعة الروضة، ورسم للأمير جمال الدين موسى بن يغمور أن يتولى إعادتها كما كانت، فأصلح بعض ما تهدّم فيها، ورتب فيها الجاندارية، وأعادها إلى ما كانت عليه من الحرمة، وأمر بأبراجها ففرّقت على الأمراء، وأعطى برج الزاوية للأمير سيف الدين قلاون الألفيّ، والبرج يليه للأمير عز الدين الحليّ، والبرج الثالث من بروج الزاوية للأمير عز الدين أرغان، وأعطى برج الزاوية الغربيّ للأمير بدر الدين الشمسي، وفرّقت بقية الأبراج على سائر الأمراء، ورسم أن تكن بيتوتات جميع الأمراء واصطبلاتهم فيها، وسلم المفاتيح لهم.
فلما تسلطن الملك المنصور قلاون الألفيّ وشرع في بناء المارستان والقبلة والمدرسة المنصورية، نقل من قلعة الروضة هذه ما يحتاج إليه من عمد الصوّان وعمد الرخام التي كانت قبل عمارة القلعة في البرابي، وأخذ منها رخاما كثيرا وأعتابا جليلة مما كان في البرابي وغير ذلك، ثم أخذ منها السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون ما احتاج إليه من عمد الصوّان في بناء الإيوان المعروف بدار العدل من قلعة الجبل، والجامع الجديد الناصري ظاهر مدينة مصر، وأخذ غير ذلك حتى ذهبت كأن لم تكن، وتأخر منها عقد جليل تسميه العامّة القوس، كان مما يلي جانبها الغربيّ، أدركناه باقيا إلى نحو سنة عشرين وثنمانمائة، وبقي من أبراجها عدّة قد انقلب أكثرها، وبنى الناس فوقها دورهم المطلة على النيل.
قال ابن المتوّج: ثم اشترى الملك المظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب جزيرة مصر المعروفة اليوم بالروضة في شعبان سنة ست وستين وخمسمائة، وإنما سميت بالروضة