المقس، وأنشأوا بجزيرة الفيل البساتين والقصور، واستجدّا ابن المغربيّ الطبيب بستانا اشتراه منه القاضي كريم الدين ناظر الخاص للأمير سيف الدين طشتمر الساقي، بنحو المائة ألف درهم فضة، عنها زهاء خمسة آلاف مثقال ذهبا، وتتابع الناس في إنشاء البساتين حتى لم يبق بها مكان بغير عمارة وحكر، ما كان منها وقفا على المدرسة المجاورة للشافعيّ رضي الله عنه، وما كان فيها من وقف المارستان، وغرس ذلك كله بساتين، فصارت تنيف على مائة وخمسين بستانا إلى سنة وفاة الملك الناصر محمد بن قلاون، ونصب فيها سوق كبير يباع فيه أكثر ما يطلب من المآكل، وابتنى الناس بها عدّة دور وجامعا فبقيت قرية كبيرة وما زالت في زيادة ونموّ، فأنشأ قاضي القضاة جلال الدين القزويني رحمه الله الدار المجاورة لبستان الأمير ركن الدين بيبرس الحاجب على النيل، فجاءت في غاية من الحسن، فلما عزل عن قضاء القضاة وسار إلى دمشق اشتراها الأمير بشتاك بثلاثين ألف درهم، وخربها وأخذ منها رخاما وشبابيك وأبوابا، ثم باع باقي نقضها بمائة ألف درهم، فربح الباعة في ذلك شيئا كثيرا، ونودي على زر بيتها فحكرت وعمر عليها الناس عدّة أملاك، واتصلت العمارة بالأملاك من هذه الزريبة إلى منية الشيرج، ثم خربت شيئا بعد شيء، وبقي ما على هذه الزريبة من الأملاك، وهي تعرف اليوم بدار الطنبديّ التاجر. وأما بساتين الجزيرة فلم تزل عجبا من عجائب الدنيا من حسن المنظر وكثرة المتحصل، إلى أن حدثت المحن من سنة ست وثمانمائة، فتلاشت وخرب كثير منها لغلوّ العلوفات من الفول والتبن وشدّة ظلم الدولة وتعطل معظم سوقها، وفيها إلى الآن بقية صالحة.
جزيرة أروى: هذه الجزيرة تعرف بالجزيرة الوسطى، لأنها فيما بين الروضة وبولاق، وفيما بين برّ القاهرة وبرّ الجيزة، لم ينحسر عنها الماء إلا بعد سنة سبعمائة، وأخبرني القاضي الرئيس تاج الدين أبو الفداء إسماعيل بن أحمد بن عبد الوهاب بن الخطباء المخزوميّ، عن الطبيب الفاضل شمس الدين محمد بن الأكفاني، أنه كان يمرّ بهذه الجزيرة أوّل ما انكشفت، ويقول هذه الجزيرة تصير مدينة، أو قال تصير بلدة، على الشك مني، فاتفق ذلك وبنى الناس فيها الدور الجليلة، والأسواق والجامع والطاحون والفرن، وغرسوا فيها البساتين وحفروا الآبار، وصارت من أحسن منتزهات مصر، يحف بها الماء، ثم صار ينكشف ما بينها وبين برّ القاهرة، فإذا كانت أيام زيادة ماء النيل أحاط الماء بها، وفي بعض السنين يركبها الماء فتمرّ المراكب بين دورها وفي أزقتها. ثم لما كثر الرمل فيما بينها وبين البرّ الشرقيّ، حيث كان خط الزريبة. وفم الخور، قلّ الماء هناك وتلاشت مساكن هذه الجزيرة، منذ كانت الحوادث في سنة ست وثمانمائة، وفيها إلى اليوم بقايا حسنة.
الجزيرة التي عرفت بحليمة: هذه الجزيرة خرجت في ستة سبع وأربعين وسبعمائة، ما بين بولاق والجزيرة الوسطى، سمتها العامّة بحليمة، ونصبوا فيها عدّة أخصاص، بلغ مصروف الخص الواحد منها ثلاثة آلاف درهم نقرة، في ثمن رخام ودهان، فكان فيها من