خلافة المأمون، ونقش في لوح كبير نصبه على باب الجامع الذي يدخل منه إلى الشرطة ما نصه: بركة من الله لعبده عبد الله الإمام المأمون أمير المؤمنين، أمر بإقامة هذه الدار الهاشمية المباركة على يد عيسى بن يزيد الجلوديّ، مولى أمير المؤمنين، سنة ثلاث عشرة ومائتين، ولم يزل هذا اللوح على باب الشرطة إلى صفر سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، فقلعه يانس العزيزي وصارت حبسا يعرف بالمعونة، إلى أن ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب فجعله مدرسة، وهي التي تعرف اليوم بالشريفية.
حبس الصيّار: هذا الحبس كان بمصر يحبس فيه الولاة بعد ما عمل حبس المعونة مدرسة، وكان بأوّل الزقاق الذي فيه هذا الحبس حانوت يسكنه شخص يقال له منصور الطويل، ويبيع فيه أصناف السوقة، ويعرف هذا الرجل بالصيار من أجل أنه كانت له في هذا الزقاق قاعة يخزن فيها أنواع الصير المعروف بالملوحة، فقيل لهذا الحبس حبس الصيار، ونشأ لمنصور الصيار هذا ولد عرف بين الشهود بمصر بشرف الدين بن منصور الطويل، فلما أحدث الوزير شرف الدين هبة الله بن صاعد الفائزيّ المظالم في سلطنة الملك المعز أيبك التركمانيّ، خدم شرف الدين هذا على المظالم في جباية التسقيع والتقويم، ثم خدم بعد إبطال ذلك في مكس القصب والرمّان، فلما تولى قضاء القضاة تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز، تأذى عنده بما باشره من هذه المظالم، وما زال هذا الحبس موجودا إلى أن خربت مصر في الزمان الذي ذكرناه، فخرب وبقي موضعه وما حوله كيمانا.
خزانة البنود: هذه الخزانة بالقاهرة هي الآن زقاق يعرف بخط خزانة البنود، على يمنة من سلك من رحبة باب العيد يريد درب ملوخيا وغيره، وكانت أوّلا في الدولة الفاطمية خزانة من جملة خزائن القصر يعمل فيها السلاح، يقال أن الخليفة الظاهر بن الحاكم أمر بها، ثم أنها احترقت في سنة إحدى وستين وأربعمائة، فعملت بعد حريقها سجنا يسجن فيه الأمراء والأعيان، إلى أن انقرضت الدولة فأقرّها ملوك بني أيوب سجنا، ثم عملت منزلا للأمراء من الفرنج يسكنون فيها بأهاليهم وأولادهم في أيام الملك الناصر محمد بن قلاون بعد حضوره من الكرك، فلم يزالوا بها إلى أن هدمها الأمير الحاج آل ملك الجوكندار نائب السلطنة بديار مصر، في سنة أربع وأربعين وسبعمائة، فاختط الناس موضعها دورا، وقد ذكرت في هذا الكتاب عند ذكر خزائن القصر.
حبس المعونة من القاهرة: هذا المكان بالقاهرة، موضعه الآن قيسارية العنبر برأس الحريريين، كان يسجن فيه أرباب الجرائم من السرّاق وقطاع الطريق ونحوهم في الدولة الفاطمية، وكان حبسا حرجا ضيقا شنيعا يشم من قربه رائحة كريهة، فلما ولي الملك الناصر محمد بن قلاون مملكة مصر هدمه وبناه قيسارية للعنبر، وقد ذكر عند ذكر الأسواق من هذا الكتاب.