وما برح هذا الميدان باقيا إلى أن عمّر السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون قصر الأمير بكتمر الساقي على بركة الفيل، فأدخل فيه جميع أرض هذا الميدان، وجعله إصطبل الأمير بكتمر الساقي، في سنة سبع عشرة وسبعمائة، وهو باق إلى وقتنا هذا.
ميدان المهاري: هذا الميدان بالقرب من قناطر السباع في برّ الخليج الغربيّ، كان من جملة جنان الزهريّ، أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاون في سنة عشرين وسبعمائة، ومن وراء هذا الميدان بركة ماء كان موضعها كرم القاضي الفاضل رحمة الله عليه.
قال جامع السيرة الناصرية: وكان الملك الناصر محمد بن قلاون له شغف عظيم بالخيل، فعمل ديوانا ينزل فيه كلّ فرس بشأنه واسم صاحبه وتاريخ الوقت الذي حضر فيه، فإذا حملت فرس من خيول السلطان أعلم به وترقب الوقت الذي تلد فيه، واستكثر من الخيل حتى احتاج إلى مكان برسم نتاجها، فركب من قلعة الجبل في سنة عشرين وسبعمائة، وعين موضعا يعمله ميدانا برسم المهاري، فوقع اختياره على أرض بالقرب من قناطر السباع، وما زال واقفا بفرسه حتى حدّد الموضع وشرع في نقل الطين البليز إليه، وزرعه من النخل وغيره، وركب على الآبار التي فيه السواقي، فلم يمض سوى أيام حتى ركب إليه ولعب فيه بالكرة مع الخاصكية، ورتب فيه عدّة حجور للنتاج وأعدّلها سوّاسا وأميرا خورية وسائر ما يحتاج إليه، وبني فيه أماكن ولازم الدخول إليه في ممرّه إلى الميدان الذي أنشأه على النيل بموردة الملح.
فلما كان بعد أيام وأشهر حسن في نفسه أن يبني تجاه هذا الميدان على النيل الأعظم بجوار جامع الطيبرسي زريبة، ويبرز بالمناظر التي ينشئها في الميدان إلى قرب البحر، فنزل بنفسه وتحدّث في ذلك، فكثّر المهندسون المصروف في عينه وصعّبوا الأمر من جهة قلة الطين هناك، وكان قد أدركه السفر للصعيد، فترك ذلك وما برحت الخيول في هذا الميدان إلى أن مات الملك الظاهر برقوق في سنة إحدى وثمانمائة، واستمرّ بعده في أيام ابنه الملك الناصر فرج، إلّا أنه تلاشى أمره عما كان قبل ذلك، ثم انقطعت منه الخيول وصار براحا خاليا.
ميدان سرياقوس: كان هذا الميدان شرقيّ ناحية سرياقوس بالقرب من الخانقاه، أنشأه الملك الناصر محمد بن قلاون في ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة، وبنى فيه قصورا جليلة وعدّة منازل للأمراء، وغرس فيه بستانا كبيرا نقل إليه من دمشق سائر الأشجار التي تحمل الفواكه، وأحضر معها خولة بلاد الشام حتى غرسوها وطعموا الأشجار، فأفلح