للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفقراء إلى أن جاء شهر رمضان، وجاء المغلّ الجديد، فأوّل يوم من بيع الجديد نقص سعر أردب القمح أربعين درهما ورقا، وفي اليوم الذي جلس فيه السلطان بدار العدل للنظر في أمور الأسعار قرئت عليه قصة ضمان دار الضرب، وفيها أنه قد توقفت الدراهم وسألوا إبطال الناصرية، فإن ضمانهم بمبلغ مائتي ألف وخمسين ألف درهم، فوقع عليها يحط عنهم منها مبلغ خمسين ألف درهم وقال: نحط هذا ولا نؤذي الناس في أموالهم.

وفي مستهل شهر رجب منها جلس أيضا بدار العدل، فوقف له بعض الأجناد بصغير يتيم ذكر أنه وصيه، وشكا من قضيته. فقال السلطان لقاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز، أنّ الأجناد إذا مات أحد منهم استولى خجداشه على موجوده، فيموت الوصيّ، ويكبر اليتيم فلا يجد له مالا، وتقدّم إليه أن لا يمكّن وصيا من الانفراد بتركة ميت، ولكن يكون نظر القاضي شاملا له، وتصير أموال الأيتام مضبوطة بأمناء الحكم. ثم أنه استدعى نقباء العساكر وأمرهم بذلك، فاستمرّ الحال فيه على ما ذكر.

وفي خامس عشري شعبان سنة ثلاث وستين وستمائة، جلس بدار العدل واستدعى تاج الدين ابن القرطبيّ وقال له: قد أضجرتني مما تقول عندي مصالح لبيت المال، فتحدّث الآن بما عندك، فتكلّم في حق قاضي القضاة تاج الدين، وفي حق متولي جزيرة سواكن، وفي حق الأمراء، وأنهم إذا مات منهم أحد أخذ ورثته أكثر من استحقاقهم، فأنكر عليه وأمر بحبسه، وتحدّث السلطان في أمر الأجناد وأنه إذا مات أحدهم في مواطن الجهاد لا يصل إليه شاهد حتى يشهد عليه بوصيته، وأنه يشهد بعض أصحابه، فإذا حضر إلى القاهرة لا تقبل شهادته، وكان الجنديّ في ذلك الوقت لا تقبل شهادته، فرأى السلطان أن كلّ أمير يعين من جماعته عدّة ممن يعرف خيره ودينه ليسمع قولهم، وألزم مقدّمي الأجناد بذلك، فشرع قاضي القضاة في اختيار رجال جياد من الأجناد وعينهم لقبول شهادتهم، ففرحت العساكر بذلك.

وجلس أيضا في تاسع عشرية بدار العدل فوقف له شخص وشكا أن الأملاك الديوانية لا يمكن أحد من سكانها أن ينتقل منها، فأنكر السلطان ذلك وأمر أن من انقضت مدّة إجارته وأراد الخلوّ فلا يمنع من ذلك، وله في ذلك عدّة أخبار كلها صالحة، رحمه الله تعالى.

وما برحت دار العدل هذه باقية إلى أن استجدّ السلطان الملك المنصور قلاون الإيوان فهجرت دار العدل هذه إلى أن كانت سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة، فهدمها السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون، وعمل موضعها الطبلخاناه، فاستمرّت طبلخاناه إلى يومنا، إلّا أنه كان في أيام عمارتها إنما يجلس بها دائما في أيام الجلوس نائب دار العدل ومعه القضاة، وموقع دار العدل والأمراء، فينظر نائب دار العدل. في أمور المتظلمين، وتقرأ عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>