للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالخروج، فلما وقف على عمر قال: تؤمنني يا أمير المؤمنين؟ قال: ومن أيّ الأجناد أنت؟

قال: من جند مصر، قال: فلعلك شريك بن سميّ الغطفانيّ؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين.

قال: لأجعلنك نكالا لمن خلفك. قال: أو تقبل مني ما قبل الله تعالى من العباد؟ قال:

وتفعل؟ قال: فكتب إلى عمرو بن العاص أن شريك بن سميّ جاءني تائبا فقبلت منه.

قال: وحدّثنا عبد الله بن صالح بن عبد الرحمن بن شريح عن أبي قبيل، قال: كان الناس يجتمعون بالفسطاط إذا قفلوا، فإذا حضر مرافق الريف خطب عمرو بن العاص الناس فقال: قد حضر مرافق الريف ربيعكم فانصرفوا، فإذا حمض اللبن واشتدّ العود وكثر الذباب فحيّ على فسطاطكم، ولا أعلمن ما جاء أحد قد أسمن نفسه وأهزل جواده.

وقال ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب قال: كان عمرو يقول للناس إذا قفلوا من غزوهم: أنه قد حضر الربيع، فمن أحبّ منكم أن يخرج بفرسه يربعه فليفعل، ولا أعلمن ما جاء أحد قد أسمن نفسه وأهزل فرسه، فإذا حمض اللبن وكثر الذباب ولوى العود فارجعوا إلى قيروانكم.

وعن ابن لهيعة عن الأسود بن مالك الحميريّ عن بجير بن ذاخر المعافريّ قال: رحت أنا ووالدي إلى صلاة الجمعة تهجيرا، وذلك بعد حميم النصارى بأيام يسيرة، فأطلنا الركوع إذا أقبل رجال بأيديهم السياط يزجرون الناس، فذعرت فقلت: يا أبت من هؤلاء؟ فقال: يا بنيّ هؤلاء الشرط فأقام المؤذنون الصلاة، فقام عمرو بن العاص على المنبر فرأيت رجلا ربعة قصير القامة، وافر الهامة، أدعج أبلج، عليه ثياب موشاة كأن به العقبان تأتلق، عليه حلة وعمامة وجبة، فحمد الله وأثنى عليه حمدا موجزا، وصلّى على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ووعظ الناس وأمرهم ونهاهم، فسمعته يحض على الزكاة وصلة الأرحام، ويأمر بالاقتصاد وينهي عن الفضول وكثرة العيال، وإخفاض الحال في ذلك فقال: يا معشر الناس إيّاكم وخلالا أربعا، فإنها تدعو إلى النصب بعد الراحة، وإلى الضيق بعد السعة، وإلى الذلة بعد العزة، إياكم وكثرة العيال، وإخفاض الحال، وتضييع المال، والقيل بعد القال، في غير درك ولا نوال. ثم أنه لا بدّ من فراغ يؤول إليه المرء في توديع جسمه والتدبير لشأنه وتخليته بين نفسه وبين شهواتها، ومن صار إلى ذلك فليأخذ بالقصد والنصيب الأقل، ولا يضيع المرء في فراغه نصيب العلم من نفسه، فيجوز من الخير عاطلا، وعن حلال الله وحرامه غافلا. يا معشر الناس: إنه قد تدلت الجوزاء وذلت الشعري، وأقلعت السماء وارتفع الوباء، وقلّ الندى وطاب المرعى، ووضعت الحوامل ودرجت السخائل، وعلى الراعي بحسن رعيته حسن النظر، فحيّ لكم على بركة الله تعالى إلى ريفكم، فنالوا من خيره ولبنه وخرافه وصيده، واربعوا خيلكم وأسمنوها وصنونوها وأكرموها، فإنها جنتكم من عدوّكم، وبها مغانمكم وأنفالكم، واستوصوا بمن جاورتموه من القبط خيرا، وإياكم والمومسات

<<  <  ج: ص:  >  >>