يستقبل مشرق الشتاء، سواء إلى أن يصل إلى عيذاب ولا يزال كذلك إذا سار من عيذاب حتى ينتهي في البحر إلى جدّة، فإذا سار من جدّة في البرّ استقبل المشرق كذلك حتى يحل بمكة، فإذا عاد من مكة استقبل المغرب، فاعرف من هذا أن مكة واقعة في النصف الشرقيّ من الربع الجنوبيّ بالنسبة إلى أرض مصر، وهذا هو سمت محاريب الصحابة التي بديار مصر والإسكندرية، وهو الذي يجب أن يكون سمت جميع محاريب إقليم مصر.
برهان آخر: وهو أن من سار من مكة يريد مصر على الجادّة، فإنه يستقبل ما بين القطب الشماليّ الذي هو الجدي، وبين مغرب الصيف مدّة يومين، وبعض اليوم الثالث، وفي هذه المدّة يكون مهب النكباء التي بين الشمال والمغرب تلقاء وجهه، ثم يستقبل بعد ذلك في مدّة ثلاثة أيام أوسط الشمال، بحيث يبقى الجدي تلقاء وجهه إلى أن يصل إلى بدر، فإذا سار من بدر إلى المدينة النبوية صار مشرق الصيف تلقاء وجهه تارة ومشرق الاعتدال تارة إلى أن ينتهي إلى المدينة، فإذا رجع من المدينة إلى الصفراء، استقبل مغرب الشتاء إلى أن يعدل إلى ينبع، فيصير تارة يسير شمالا وتارة يسير مغربا، ويكون ينبع من مكة على حد النكباء التي بين الشمال ومغرب الصيف، فإذا سار من ينبع استقبل ما بين الجدي ومغرب الثريا، وهو مغرب الصيف، وهبت النكباء تلقاء وجهه إلى أن يصل إلى مدين، فإذا سار من مدين استقبل تارة الشمال وأخرى مغرب الصيف حتى يدخل إيلة، ومن إيلة لا يزال يستقبل مغرب الاعتدال تارة ويميل عنه إلى جهة الجنوب مع استقبال مغرب الشتاء أخرى، إلى أن يصل إلى القاهرة ومصر، فلو فرضنا خطا خرج من محاريب مصر الصحيحة التي وضعها الصحابة، ومرّ على استقامة من غير ميل ولا انحراف لا تصل بالكعبة ولصق بها.
واعلم أن أهل مصر والإسكندرية وبلاد الصعيد وأسفل الأرض وبرقة وإفريقية وطرابلس المغرب وصقلية والأندلس وسواحل المغرب إلى السوس الأقصى والبحر المحيط وما على سمت هذه البلاد، يستقبلون في صلاتهم من الكعبة ما بين الركن الغربيّ إلى الميزاب، فمن أراد أن يستقبل الكعبة في شيء من هذه البلاد فليجعل بنات نعش إذا غربت خلف كتفه الأيسر، وإذا طلعت على صدغه الأيسر، ويكون الجدي على أذنه اليسرى، ومشرق الشمس تلقاء وجهه أو ريح الشمال خلف أذنه اليسرى، أو ريح الدبور خلف كتفه الأيمن، أو ريح الجنوب التي تهب من ناحية الصعيد على عينه اليمنى، فإنه حينئذ يستقبل من الكعبة سمت محاريب الصحابة الذين أمرنا الله باتباع سبيلهم، ونهانا عن مخالفتهم بقوله عز وجل:
وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً
[النساء/ ١٥٥] ألهمنا الله بمنه اتباع طريقهم، وصيرنا بكرمه من حزبهم وفريقهم إنه على كلّ شيء قدير.