إلى أن جمع بيدر من يثق به وقتل الأشرف بناحية تروجه في سنة ثلاث وتسعين وستمائة، كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى عند ذكر مدرسته، وكان ممن وافق الأمير بيدرا على قتل الأشرف، الأمير حسام الدين لاجين المنصوريّ، والأمير قراسنقر، فلما قتل بيدر في محاربة مماليك الأشرف له، فرّ لاجين وقراسنقر من المعركة، فاختفى لاجين بالجامع الطولونيّ، وقراسنقر في داره بالقاهرة، وصار لاجين يتردّد بمفرده من غير أحد معه في الجامع وهو حينئذ خراب لا ساكن فيه، وأعطى الله عهدا إن سلّمه الله من هذه المحنة ومكنه من الأرض أن يجدّد عمارة هذا الجامع ويجعل له ما يقوم به، ثم إنه خرج منه في خفية إلى القرافة فأقام بها مدّة، وراسل قراسنقر فتحيل في لحاقه به، وعملا أعمالا إلى أن اجتمعا بالأمير زين الدين كتبغا المنصوري، وهو إذ ذاك نائب السلطنة في أيام الملك الناصر محمد بن قلاون، والقائم بأمور الدولة كلها، فأحضرهما إلى مجلس السلطان بقلعة الجبل بعد أن أتقن أمرهما مع الأمراء ومماليك السلطان، فخلع عليهما وصار كلّ منهما إلى داره وهو آمن، فلم تطل أيام الملك الناصر في هذه الولاية حتى خلعه الأمير كتبغا وجلس على تخت الملك، وتلقب بالملك العادل، فجعل لاجين نائب السلطنة بديار مصر، وجرت أمور اقتضت قيام لاجين على كتبغا وهم بطريق الشام، ففرّ كتبغا إلى دمشق واستولى لاجين على دست المملكة، وسار إلى مصر وجلس على سرير الملك بقلعة الجبل، وتلقب بالملك المنصور في المحرّم من سنة ست وتسعين وستمائة، فأقام قراسنقر في نيابة السلطنة بديار مصر، وأخرج الناصر محمد بن قلاون من قلعة الجبل إلى كرك الشوبك، فجعله في قلعتها، وأعانه أهل الشام على كتبغا حتى قبض عليه وجعله نائب حماه، فأقام بها مدّة سنين بعد سلطنة مصر والشام وخلع على الأمير علم الدين سنجر الدواداريّ وأقامه في نيابة دار العدل، وجعل إليه شراء الأوقاف على الجامع الطولونيّ، وصرف إليه كلّ ما يحتاج إليه في العمارة، وأكد عليه في أن لا يسخّر فيه فاعلا ولا صانعا، وأن لا يقيم مستحثا للصناع، ولا يشتري لعمارته شيئا مما يحتاج إليه من سائر الأصناف إلّا بالقيمة التامة، وأن يكون ما ينفق على ذلك من ماله، وأشهد عليه بوكالته، فابتاع منية أندونة من أراضي الجيزة، وعرفت هذه القرية بأندونة، كاتب بمصر كان نصرانيا في زمن أحمد بن طولون، وممن نكبه وأخذ منه خمسين ألف دينار، واشترى أيضا ساحة بجوار جامع أحمد بن طولون مما كان في القديم عامرا ثم خرب، وحكرها وعمر الجامع، وأزال كلّ ما كان فيه من تخريب، وبلطه وبيضه ورتب فيه دروسا لإلقاء الفقه على المذاهب الأربعة التي عمل أهل مصر عليها الآن، ودرسا يلقى فيه تفسير القرآن الكريم، ودرسا لحديث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ودرسا للطب، وقرّر للخطيب معلوما، وجعل له إماما راتبا، ومؤذنين وفرّاشين وقومة، وعمل بجواره مكتبا لإقراء أيتام المسلمين كتاب الله عز وجلّ، وغير ذلك من أنواع القربات ووجوه البرّ، فبلغت النفقة على عمارة الجامع وثمن مستغلاته عشرين ألف دينار، فلما شاء الله سبحانه أن يهلك لاجين، زيّن له