قال القاضي محي الدين بن عبد الظاهر في كتاب سيرة الملك الظاهر: لما كان يوم الجمعة الثامن عشر من ربيع الأوّل سنة خمس وستين وستمائة، أقيمت الجمعة بالجامع الأزهر بالقاهرة، وسبب ذلك أن الأمير عز الدين أيدمر الحليّ كان جار هذا الجامع من مدّة سنين، فرعى وفقه الله حرمة الجار، ورأى أن يكون كما هو جاره في دار الدنيا، أنه غدا يكون ثوابه جاره في تلك الدار، ورسم بالنظر في أمره وانتزع له أشياء مغصوبة كان شيء منها في أيدي جماعة، وحاط أموره حتى جمع له شيئا صالحا، وجرى الحديث في ذلك، فتبرّع الأمير عز الدين له بجملة مستكثرة من المال الجزيل، وأطلق له من السلطان جملة من المال، وشرع في عمارته فعمّر الواهي من أركانه وجدارنه وبيّضه وأصلح سقوفه وبلطه وفرشه وكساه، حتى عاد حرما في وسط المدينة، واستجدّ به مقصورة حسنة، وآثر فيه آثارا صالحة يثيبه الله عليها، وعمل الأمير بيلبك الخازندار فيه مقصورة كبيرة رتب فيها جماعة من الفقهاء لقراءة الفقه على مذهب الإمام الشافعيّ رحمه الله، ورتب في هذه المقصورة محدّثا يسمع الحديث النبويّ والرقائق، ووقف على ذلك الأوقاف الدارّ، ورتب به سبعة لقراءة القرآن، ورتب به مدرّسا أثابه الله على ذلك. ولما تكمّل تجديده تحدّث في إقامة جمعة فيه، فنودي في المدينة بذلك، واستخدم له الفقيه زين الدين خطيبا، وأقيمت الجمعة فيه في اليوم المذكور، وحضر الأتابك فارس الدين، والصاحب بها الدين عليّ بن حنا، وولده الصاحب فخر الدين محمد، وجماعة من الأمراء والكبراء، وأصناف العالم على اختلافهم، وكان يوم جمعة مشهودا، ولما فرغ من الجمعة جلس الأمير عز الدين الحليّ والأتابك والصاحب وقرىء القرآن ودعى للسلطان، وقام الأمير عز الدين ودخل إلى داره ودخل معه الأمراء، فقدّم لهم كلّ ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، وانفصلوا، وكان قد جرى الحديث في أمر جواز الجمعة في الجامع وما ورد فيه. من أقاويل العلماء، وكتب فيها فتيا أخذ فيها خطوط العلماء بجواز الجمعة في هذا الجامع وإقامتها، فكتب جماعة خطوطهم فيها، وأقيمت صلاة الجمعة به واستمرّت، ووجد الناس به رفقا وراحة لقربه من الحارات البعيدة من الجامع الحاكميّ.
قال وكان سقف هذا الجامع قد بني قصيرا فزيد فيه بعد ذلك وعلى ذراعا، واستمرّت الخطبة فيه حتى بني الجامع الحاكميّ، فانتقلت الخطبة إليه، فإن الخليفة كان يخطب فيه خطبة وفي الجامع الأزهر خطبة، وفي جامع ابن طولون خطبة، وفي جامع مصر خطبة، وانقطعت الخطبة من الجامع الأزهر لما استبدّ السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب بالسلطنة، فإنه قلد وظيفة القضاء لقاضي القضاة صدر الدين عبد الملك بن درباس، فعمل بمقتضى مذهبه، وهو امتناع إقامة الخطبتين للجمعة في بلد واحد كما هو مذهب الإمام الشافعيّ، فأبطل الخطبة من الجامع الأزهر وأقرّ الخطبة بالجامع الحاكميّ من أجل أنه أوسع. فلم يزل الجامع الأزهر معطلا من إقامة الجمعة فيه مائة عام، من حين استولى