الناس طول ليلتهم يمشون من كلّ واحد من الجامعين إلى الآخر بغير مانع لهم، ولا اعتراض من أحد من عسس القصر، ولا أصحاب الطوف إلى الصبح. وصلّى فيه الحاكم بأمر الله بالناس صلاة الجمعة، وهي أوّل صلاة أقيمت فيه بعد فراغه. وفي ذي القعدة سنة أربع وأربعمائة حبس الحاكم عدّة قياسر وأملاك على الجامع الحاكميّ بباب الفتوح. قال ابن عبد الظاهر: وعلى باب الجامع الحاكميّ مكتوب أنّه أمر بعمله الحاكم أبو عليّ المنصور في سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، وعلى منبره مكتوب أنه أمر بعمل هذا المنبر للجامع الحاكميّ المنشأ بظاهر باب الفتوح في سنة ثلاث وأربعمائة، ورأيت في سيرة الحاكم، وفي يوم الجمعة أقيمت الجمعة في الجامع الذي كان الوزير أنشأه بباب الفتوح. ورأيت في سيرة الوزير المذكور، في يوم الأحد عاشر رمضان سنة تسع وسبعين وثلاثمائة خط أساس الجامع الجديد بالقاهرة خارج الطابية مما يلي باب الفتوح. قال: وكان هذا الجامع خارج القاهرة، فجدّد بعد ذلك باب الفتوح، وعلى البدنة التي تجاور باب الفتوح وبعض البرج مكتوب: إنّ ذلك بني سنة ثلاثين وأربعمائة في زمن المستنصر بالله، ووزارة أمير الجيوش، فيكون بينهما سبع وثمانون سنة. قال: والفسقية وسط الجامع بناها الصاحب عبد الله بن عليّ بن شكر وأجرى الماء إليها، وأزالها القاضي تاج الدين بن شكر، وهو قاضي القضاة في سنة ستين وستمائة، والزيادة التي إلى جانبه قيل إنها بناء ولده الظاهر عليّ ولم يكملها، وكان قد حبس فيها الفرنج فعملوا فيها كنائس، هدمها الملك الناصر صلاح الدين، وكان قد تغلب عليها وبنيت إصطبلات. وبلغني أنها كانت في الأيام المتقدّمة قد جعلت أهراء للغلال.
فلما كان في الأيام الصالحية ووزارة معين الدين حسن بن شيخ الشيوخ للملك الصالح أيوب ولد الكامل، ثبت عند الحاكم أنها من الجامع، وأن بها محرابا، فانتزعت وأخرج الخيل منها وبني فيها ما هو الآن في الأيام المعزية على يد الركن الصيرفيّ، ولم يسقف. ثم جدّد هذا الجامع في سنة ثلاث وسبعمائة. وذلك أنه لما كان يوم الخميس ثالث عشري ذي الحجة سنة اثنتين وسبعمائة، تزلزلت أرض مصر والقاهرة وأعمالهما ورجل كلّ ما عليهما واهتز، وسمع للحيطان قعقعة، وللسقوف قرقعة، ومارت الأرض بما عليها وخرجت عن مكانها، وتخيل الناس أن السماء قد انطبقت على الأرض، فهربوا من أماكنهم وخرجوا عن مساكنهم، وبرزت النساء حاسرات، وكثر الصراخ والعويل، وانتشرت الخلائق فلم يقدر أحد على السكون والقرار لكثرة ما سقط من الحيطان، وخرّ من السقوف والمآذن وغير ذلك من الأبنية، وفاض ماء النيل فيضا غير المعتاد، وألقى ما كان عليه من المراكب التي بالساحل قدر رمية سهم، وانحسر عنها فصارت على الأرض بغير ماء، واجتمع العالم في الصحراء خارج القاهرة وباتوا ظاهر باب البحر بحرمهم وأولادهم في الخيم، وخلت المدينة وتشعثت جميع البيوت حتى لم يسلم ولا بيت من سقوط أو تسقط أو ميل، وقام الناس في الجوامع يبتهلون ويسألون الله سبحانه طول يوم الخميس وليلة الجمعة ويوم الجمعة.