فيخطب خطبة قصيرة من مسطور يحضر إليه من ديوان الإنشاء، يقرأ فيها آية من القرآن الكريم، ولقد سمعته مرّة في خطابته بالجامع الأزهر وقد قرأ في خطبته رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَ
الآية، ثم يصلي على أبيه وجدّه، يعني بهما محمدا صلّى الله عليه وسلّم وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ويعظ الناس وعظا بليغا قليل اللفظ، وتشتمل الخطبة على ألفاظ جزلة، ويذكر من سلف من آبائه حتى يصل إلى نفسه فقال: وأنا أسمعه، اللهمّ وأنا عبدك وابن عبدك لا أملك لنفسي ضرّا ولا نفعا، ويتوسل بدعوات فخمة تليق بمثله، ويدعو للوزير إن كان، وللجيوش بالنصر والتأليف، وللعساكر بالظفر وعلى الكافرين، والمخالفين بالهلاك والقهر، ثم يختم بقوله اذكروا الله يذكركم. فيطلع إليه من زرّر عليه ويفك ذلك التزرير وينزل القهقرى، وسبب التزرير عليهم قراءتهم من مسطور لا كعادة الخطباء، فينزل الخليفة ويصير على تلك الطرّاحات الثلاث في المحراب وحده إماما، ويقف الوزير وقاضي القضاة صفا، ومن ورائهما الأستاذون المحنكون والأمراء المطوّقون وأرباب الرتب من أصحاب السيوف والأقلام والمؤذنون وقوف، وظهورهم إلى المقصورة لحفظه، فإذا سمع الوزير الخليفة أسمع القاضي فأسمع القاضي المؤذنين وأسمع المؤذنون الناس، هذا والجامع مشحون بالعالم للصلاة وراءه، فيقرأ ما هو مكتوب في الستر الأيمن في الركعة الأولى، وفي الركعة الثانية ما هو مكتوب في الستر الأيسر، وذلك على طريق التذكار خيفة الارتجاج، فإذا فرغ خرج الناس وركبوا أوّلا فأوّلا وعاد طالبا القصر والوزير وراءه، وضربت البوقات والطبول في العود، فإذا أتت الجمعة الثانية ركب إلى الجامع الأزهر من القشاشين على المنوال الذي ذكرناه والقالب الذي وصفناه، فإذا كانت الجمعة الثالثة أعلم بركوبه إلى مصر للخطابة في جامعها، فيزين له من باب القصر أهل القاهرة إلى جامع ابن طولون، ويزين له أهل مصر من جامع ابن طولون إلى الجامع بمصر، يرتب ذلك والي مصر، كلّ أهل معيشة في مكان، فيظهر المختار من الآلات والستور المثمنات ويهتمون بذلك ثلاثة أيام بلياليهنّ والوالي مارّ وعائد بينهم، وقد ندب من يحفظ الناس ومتاعهم، فيركب يوم الجمعة المذكور شاقا لذلك كله على الشارع الأعظم إلى مسجد عبد الله الخراب اليوم، إلى دار الأنماط إلى الجامع بمصر، فيدخل إليه من المعونة، ومنها باب متصل بقاعة الخطيب بالزيّ الذي تقدّم ذكره في خطبة الجامعين بالقاهرة، وعلى ترتيبهما. فإذا قضى الصلاة عاد إلى القاهرة من طريقه بعينها شاقا بالزينة إلى أن يصل إلى القصر، ويعطى أرباب المساجد التي يمرّ عليها كلّ واحد دينارا.
وقال ابن المأمون: ووصل من الطراز الكسوة المختصة بغرّة شهر رمضان وجمعتيه برسم الخليفة للغرّة بدلة كبيرة موكبية مكملة مذهبة، وبرسم الجامع الأزهر للجمعة الأولى من الشهر بدلة موكبية حرير مكملة منديلها وطيلسانها بياض، وبرسم الجامع الأنور للجمعة