وفي ثالث شوّال سنة اثنتين وستين، أركب السلطان ابنه السعيد بركة بشعار السلطنة، ومشى قدّامه وشق القاهرة والكل مشاة بين يديه من باب النصر إلى قلعة الجبل، وزينت البلد، وفيها رتب السلطان لعب القبق بميدان العيد خارج باب النصر، وختن الملك السعيد ومعه ألف وستمائة وخمسة وأربعون صبيا من أولاد الناس، سوى أولاد الأمراء والأجناد، وأمر لكلّ صغير منهم بكسوة على قدره، ومائة درهم، ورأس من الغنم، فكان مهما عظيما، وأبطل ضمان المزر، وجهاته، وأمر بحرق النصارى في سنة ثلاث وستين، فتشفع فيهم على أن يحملوا خمسين ألف دينار فتركوا. وفي سنة أربع وستين افتتح قلعة صفد، وجهز العساكر إلى سيس ومقدّمهم الأمير قلاون الألفيّ، فحصر مدينة ابناس وعدّه قلاع. وفي سنة خمس وستين أبطل ضمان الحشيش من ديار مصر، وفتح يافا والشقيف وأنطاكية. وفي سنة سبع وستين حج فسار على غزة إلى الكرك، ومنها إلى المدينة النبوية، وغسل الكعبة بماء الورد بيده، ورجع إلى دمشق فأراق جميع الخمور، وقدم إلى مصر في سنة ثمان وستين.
وفي سنة سبعين خرج إلى دمشق. وفي سنة إحدى وسبعين خرج من دمشق سائقا إلى مصر، ومعه بيسرى وأقوش الروميّ وجرسك الخازندار وسنقر الألفيّ، فوصل إلى قلعة الجبل، وعاد إلى دمشق فكانت مدّة غيبته أحد عشر يوما، ولم يعلم بغيبته من في دمشق حتى حضر، ثم خرج سائقا من دمشق يريد كبس التتار، فخاض الفرات وقدّامه قلاون وبيسرى، وأوقع بالتتار على حين غفلة، وقتل منهم شيئا كثيرا، وساق خلفهم بيسرى إلى سروج وتسلم السلطان البيرة. ووقع بمصر في سنة اثنتين وسبعين وباء هلك به خلق كثير.
وفي سنة ثلاث وسبعين غزا السلطان سيس وافتتح قلاعا عديدة. وفي سنة أربع وسبعين تزوّج السعيد بن السلطان بابنة الأمير قلاون وخرج العسكر إلى بلاد النوبة، فواقع ملكهم وقتل منهم كثيرا وفرّ باقيهم. وفي سنة خمس وسبعين سار السلطان لحرب التتار، فواقعهم على الأبلستين وقد انضم إليهم الروم، فانهزموا وقتل منهم كثير، وتسلم السلطان قيسارية ونزل فيها بدار السلطان، ثم خرج إلى دمشق فوعك بها من إسهال وحمى مات منها يوم الخميس تاسع عشري محرّم سنة ست وسبعين وستمائة، وعمره نحو من سبع وخمسين سنة، ومدّة ملكه سبع عشرة سنة وشهران.
وكان ملكا جليلا عسوفا عجولا كثير المصادرات لرعيته ودواوينه، سريع الحركة، فارسا مقداما، وترك من الذكور ثلاثة: السعيد محمد بركة خان، وملك بعده، وسلامش وملك أيضا، والمسعود خضر. ومن البنات سبع بنات، وكان طويلا مليح الشكل.
وفتح الله على يديه مما كان مع الفرنج قيسارية وأرسوف وصفد وطبرية ويافا والشقيف وأنطاكية وبقراص والقصير وحصن الأكراد والقرين وحصن عكا وصافيتا ومرقية وحلبا.
وناصف الفرنج على المرقب وبانياس وانطرسوس، وأخذ من صاحب سيس، دريساك