بالعلم، وكتب بخطه نسخة من كتاب دلائل النبوّة للبيهقيّ إلى يوم الاثنين ثاني شوّال سنة خمس وخمسين وسبعمائة، فأقامه الأمير شيخو العمريّ في السلطنة، وقبض على الصالح، وكانت مدّة سجنه ثلاث سنين وثلاثة أشهر وأربعة عشر يوما، فرسم بإمساك الأمير طاز وإخراجه لنيابة حلب. وفي ربيع الأول سنة سبع وخمين هبت ريح عاصفة من ناحية الغرب من أوّل النهار إلى آخر الليل، اصفرّ منها الجوّ، ثم احمرّ، ثم اسودّ فتلف منها شيء كثير.
وفي شعبان سنة تسع وخمسين ضرب الأمير شيخو بعض المماليك بسيف فلم يزل عليلا حتى مات. وفي سنة تسع وخمسين كان ضرب الفلوس الجدد، فعمل كلّ فلس زنة مثقال، وقبض على الأمير طاز نائب حلب وسجن بالإسكندرية، وقرّر مكانه في نيابة حلب الأمير منجك اليوسفيّ، وأمسك الأمير صرغتمش في شهر رمضان منها، وكانت حرب بين مماليكه ومماليك السلطان، انتصر فيها المماليك السلطانية، وقبض على عدّة أمراء، فأنعم السلطان على مملوكه يلبغا العمريّ الخاصكيّ بتقدمة ألف عوضا عن تنكر بغا الماردانيّ أمير مجلس بحكم وفاته. وفي سنة ستين فرّ منجك من حلب، فلم يوقف له على خبر، فأقرّ على نيابة حلب الأمير بيدمر الخوارزميّ، وسار لغزو سيس فأخذ أدنه بأمان وأخذ طرسوس والمصيصة وعدّة بلاد وأقام بها نوّابا وعاد، فلما كانت سنة اثنتين وستين عدّى السلطان إلى برّ الجيزة وأقام بناحية كوم برا مدّة طويلة لوباء كان بالقاهرة، فتنكر الحال بينه وبني الأمير يلبغا إلى ليلة الأربعاء تاسع جمادى الأولى، فركب السلطان في جماعة ليكبس على الأمير يلبغا، وكان قد أحسن بذلك وخرج عن الخيام وكمن بمكان وهو لابس في جماعته، فلم يظفر السلطان به، ورجع فثار به يلبغا فانكسر بمن معه وفرّ يريد قلعة الجبل، فتبعه يلبغا وقد انضم إليه جمع كثير، ودخل السلطان إلى القلعة فلم يثبت، وركب معه أيدمر الدوادار ليتوجه إلى بلاد الشام، ونزل إلى بيت الأمير شرف الدين موسى بن الأزكشيّ أمير حاجب، فبعث في الحال إلى الأمير يبلغا يعلمه بمجيء السلطان إليه، فبعث من قبضه هو والأمير أيدمر، ومن حينئذ لم يوقف له على خبر البتة مع كثرة فحص أتباعه وحواشيه عن قبره وما آل إليه أمره، فكانت مدّة ولايته هذه الثانية ست سنين وسبعة أشهر وأياما، وكان ملكا حازما مهابا شجاعا صاحب حرمة وافرة وكلمة نافذة ودين متين، حلف غير مرّة أنه ما لاط ولا شرب خمرا ولا زنى، إلّا أنه كان يبخل ويعجب بالنساء، ولا يكاد يصبر عنهنّ، ويبالغ في إعطائهنّ المال، وعادى في دولته أقباط مصر، وقصد اجتثات أصلهم، وكره المماليك، وشرع في إقامة أولاد الناس أمراء، وترك عشرة بنين وست بنات، وكان أشقر أنمش، وقتل وله من العمر بضع وعشرون سنة، ولم يكن قبله ولا بعده في الدولة التركية مثله.