قال: ولما استبطأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخراج من قبل عمرو بن العاص كتب إليه: بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص سلام الله عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد: فإني فكرت في أمرك والذي أنت عليه فإذا أرضك أرض واسعة عريضة رفيعة، وقد أعطى الله أهلها عددا وجلدا وقوّة في برّ وبحر، وأنها قد عالجتها الفراعنة، وعملوا فيها عملا محكما مع شدّة عتوهم وكفرهم فعجبت من ذلك، وأعجب مما عجبت أنها لا تؤدّي نصف ما كانت تؤدّيه من الخراج قبل ذلك على غير قحوط، ولا جدب، وقد أكثرت في مكاتبتك في الذي على أرضك من الخراج، وظننت أن ذلك سيأتينا على غير نزر، ورجوت أن تفيق فترفع إليّ ذلك، فإذا أنت تأتيني بمعاريض تعبأ بها لا توافق الذي في نفسي لست قابلا منك دون الذي كانت تؤخذ به من الخراج قبل ذلك، ولست أدري مع ذلك ما الذي نفرك من كتابي، وقبضك، فلئن كنت مجرّبا كافيا صحيحا إن البراءة لنافعة، وإن كنت مضيعا نطعا إن الأمر لعلى غير ما تحدّث به نفسك، وقد تركت أن أبتلي ذلك منك في العام الماضي رجاء أن تفيق، فترفع إليّ ذلك وقد علمت أنه لم يمنعك من ذلك إلا أن أعمالك عمال السوء، وما توالس عليك وتلفف اتخذوك كهفا، وعندي بإذن الله دواء فيه شفاء عما أسألك فيه فلا تجزع أبا عبد الله أن يؤخذ منك الحق وتعطاه، فإن النهر يخرج الدرّ والحق أبلج ودعني وما عنه تلجلج، فإنه قد برح الخفاء والسلام.
فكتب إليه عمرو بن العاص: بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله عمر أمير المؤمنين من عمرو بن العاص سلام الله عليك، فإني أحمد الله الذي لا إله إلا هو. أما بعد: فقد بلغني كتابك أمير المؤمنين في الذي استبطأني فيه من الخراج والذي ذكر فيها من عمل الفراعنة قبلي وإعجابه من خراجها على أيديهم ونقص ذلك منها مذ كان الإسلام، ولعمري للخراج يومئذ أوفر وأكثر، والأرض أعمر لأنهم كانوا على كفرهم، وعتوّهم أرغب في عمارة أرضهم منا مذ كان الإسلام، وذكرت أن النهر يخرج الدر، فحلبتها حلبا قطع درها، وأكثرت في كتابك وأنبت وعرضت وتربت وعلمت أن ذلك عن شيء تخفيه على غير خبر، فجئت لعمري بالمقطعات المقدّعات، ولقد كان لك فيه من الصواب من القول رصين صارم بليغ صادق، ولقد عملنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولمن بعده، فكنا نحمد الله مؤدّين لأماناتنا حافظين لما عظم الله من حق أئمتنا نرى غير ذلك قبيحا، والعمل به شينا، فتعرف ذلك لنا وتصدّق فيه قلبنا معاذ الله من تلك الطعم ومن شرّ الشيم، والاجتراء على كل مأثم، فامض عملك فإن الله قد نزهني عن تلك الطعم الدنية، والرغبة فيها بعد كتابك الذي لم تستبق فيه عرضا، ولم تكرم فيه أخا، والله يا ابن الخطاب لأنا حين يراد ذلك مني أشدّ غضبا لنفسي ولها إنزاها وإكراما، وما عملت من عمل أرى عليه فيه متعلقا، ولكني حفظت ما لم تحفظ، ولو كنت من يهود يثرب ما زدت، يغفر الله لك ولنا، وسكتّ عن أشياء كنت بها عالما وكان اللسان