للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علما من ذلك رجع إليه وإلّا اجتهد في الحكم.

ولما مات أبو بكر وولي أمر الأمّة من بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فتحت الأمصار وزاد تفرّق الصحابة رضي الله عنهم فيما افتتحوه من الأقطار، فكانت الحكومة تنزل بالمدينة أو غيرها من البلاد، فإن كان عند الصحابة الحاضرين لها في ذلك أثر عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، حكم به، وإلّا اجتهد أمير تلك البلدة في ذلك، وقد يكون في تلك القضية حكم عن النبي صلّى الله عليه وسلّم موجود عند صاحب آخر، وقد حضر المدنيّ ما لم يحضر المصريّ، وحضر المصريّ ما لم يحضر الشامي، وحضر الشاميّ ما لم يحضر البصريّ، وحضر البصريّ ما لم يحضر الكوفيّ، وحضر الكوفيّ ما لم يحضر المدنيّ. كلّ هذا موجود في الآثار، وفيما علم من مغيب بعض الصحابة عن مجلس النبي صلّى الله عليه وسلّم في بعض الأوقات، وحضور غيره. ثم مغيب الذي حضر أمس وحضور الذي غاب، فيدري كلّ واحد منهم ما حضر، ويفوته ما غاب عنه، فمضى الصحابة رضي الله عنهم على ما ذكرنا، ثم خلف بعدهم التابعون الآخرون عنهم وكل طبقة من التابعين في البلاد التي تقدّم ذكرها، فإنما تفقهوا مع من كان عندهم من الصحابة، فكانوا لا يتعدّون فتاويهم إلّا اليسير مما بلغهم عن غير من كان في بلادهم من الصحابة، رضي الله عنهم، كاتباع أهل المدينة في الأكثر فتاوي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، واتباع أهل الكوفة في الأكثر فتاوي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، واتباع أهل مكة في الأكثر فتاوي عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، واتباع أهل مصر في الأكثر فتاوي عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، ثم أتى من بعد التابعين رضي الله عنهم فقهاء الأمصار، كأبي حنيفة وسفيان وابن أبي ليلى بالكوفة، وابن جريج بمكة، ومالك وابن الماجشون بالمدينة، وعثمان البتيّ وسوار بالبصرة، والأوزاعيّ بالشام، والليث بن سعد بمصر. فجروا على تلك الطريق من أخذ كل واحد منهم عن التابعين من أهل بلده، فيما كان عندهم واجتهادهم فيما لم يجدوا عندهم، وهو موجود عند غيرهم.

وأما مذاهب أهل مصر: فقال أبو سعيد بن يونس: إن عبيد بن مخمر المغافريّ يكنى أبا أمية، رجل من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، شهد فتح مصر، روى عنه أبو قبيل. يقال أنه كان أوّل من أقرأ القرآن بمصر. وذكر أبو عمرو الكنديّ أن أبا ميسرة عبد الرحمن بن ميسرة مولى الملامس الحضرميّ كان فقيها عفيفا شريفا، ولد سنة عشر ومائة، وكان أوّل الناس إقراء بمصر بحرف نافع قبل الخمسين ومائة، وتوفي سنة ثمان وثمانين ومائة، وذكر عن أبي قبيل وغيره أن يزيد بن أبي حبيب أوّل من نشر العلم بمصر في الحلال والحرام، وفي رواية ابن يونس ومسائل الفقه، وكانوا قبل ذلك إنما يتحدّثون في الفتن والترغيب. وعن عون بن سليمان الحضرميّ قال: كان عمر بن عبد العزيز قد جعل الفتيا بمصر إلى ثلاثة رجال، رجلان من الموالي ورجل من العرب، فأما العربيّ فجعفر بن ربيعة، وأما الموليان فيزيد بن

<<  <  ج: ص:  >  >>