وقول سعد الدين بن مروان الفارقيّ في كتاب الدرج المختص به أيضا:
يمم عليا فهو بحر الندى ... وناده في المضلع المعضل
فرفده بحر على مجدب ... ووفده مفض إلى مفصل
يسرع إن سيل نداه وهل ... أسرع من سيل أتى من علي
إلّا أنه أحدث في وزارته حوادث عظيمة، وقاس أراضي الأملاك بمصر والقاهرة وأخذ عليها مالا، وصادر أرباب الأموال وعاقبهم حتى مات كثير منهم تحت العقوبة، واستخرج حوالي الذمّة مضاعفة، ورزىء بفقد ولديه الصاحب فخر الدين محمد، والصاحب زين الدين، فعوّضه الله عنهما بأولادهما، فما منهم إلا نجيب صدر رئيس فاضل مذكور، وما مات حتى صار جدّ جدّ، وهو على المكانة وافر الحرمة، في ليلة الجمعة مستهلّ ذي الحجة سنة سبع وسبعين وستمائة، ودفن بتربته من قرافة مصر، ووزر من بعده الصاحب برهان الدين الخضر بن حسن بن عليّ السنجاريّ، وكان بينه وبين ابن حنا عداوة ظاهرة وباطنة، وحقود بارزة وكامنة، فأوقع الحوطة على الصاحب تاج الدين محمد بن حنا بدمشق، وكان مع الملك السعيد بها، وأخذ خطه بمائة ألف دينار، وجهزه على البريد إلى مصر، ليستخرج منه ومن أخيه زين الدين أحمد، وابن عمه عز الدين تكملة ثلثمائة ألف دينار، وأحيط بأسبابه ومن يلوذ به من أصحابه ومعارفه وغلمانه، وطولبوا بالمال.
وأوّل من درّس بهذه المدرسة الصاحب فخر الدين محمد، ابن بانيها الوزير الصاحب بهاء الدين إلى أن مات يوم الاثنين حادي عشري شعبان سنة ثمان وستين وستمائة، فوليها من بعده ابنه محيي الدين أحمد بن محمد إلى أن توفي يوم الأحد ثامن شعبان سنة اثنتين وسبعين وستمائة، فدرّس فيها بعده الصاحب زين الدين أحمد بن الصاحب فخر الدين محمد بن الصاحب بهاء الدين إلى أن مات في يوم الأربعاء سابع صفر سنة أربع وسبعمائة، فدرّس بها ولده الصاحب شرف الدين وتوارثها أبناء الصاحب يلون نظرها وتدريسها إلى أن كان آخرهم صاحبنا الرئيس شمس الدين محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن الصاحب بهاء الدين، وليها بعد أبيه عز الدين، ووليها عز الدين بعد بدر الدين أحمد بن محمد بن محمد بن الصاحب بهاء الدين، فلما مات صاحبنا شمس الدين محمد بن الصاحب لليلة بقيت من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة وثمانمائة، وضع بعض نوّاب القضاة يده على ما بقي لها من وقف، وأقامت هذه المدرسة مدّة أعوام معطلة من ذكر الله وإقام الصلاة، لا يأويها أحد لخراب ما حولها، وبها شخص يبيت بها كي لا يسرق ما بها من أبواب ورخام، وكان لها خزانة كتب جليلة فنقلها شمس الدين محمد بن الصاحب وصارت تحت يده إلى أن مات، فتفرّقت في أيدي الناس، وكان قد عزم على نقلها إلى شاطيء النيل بمصر، فمات قبل ذلك.