الخدّام الملوكية الذين يعرفون اليوم في الدولة التركية بالطواشية، وأحدهم طواشي، وهذه لفظة تركية، أصلها بلغتهم طابوشي، فتلاعبت بها العامة وقالت طواشي، وهو الخصيّ، ولهؤلاء الخدّام في كلّ يوم ما يكفيهم من الخبز النقيّ واللحم المطبوخ، وفي كلّ شهر من المعاليم الوافرة ما فيه غنية لهم، وأدركتهم ولهم حرمة وافرة وكلمة نافذة وجانب مرعيّ، ويعدّ شيخهم من أعيان الناس، يجلس على مرتبة، وبقية الخدّام في مجالسهم لا يبرحون في عبادة، وكان يستقرّ في وظائف هذه الخدمة أكابر خدّام السلطان، ويقيمون عنهم نوّابا يواظبون الإقامة بالقبة، ويرون مع سعة أحوالهم وكثرة أموالهم من تمام فخرهم وكمال سيادتهم، انتماءهم إلى خدمة القبة المنصورية، ثم تلاشى الحال بالنسبة إلى ما كان، والخدّام بهذه القاعة إلى اليوم، وقصد الملوك بإقامة الخدّام في هذه القاعة التي يتوصل إلى القبة منها، إقامة ناموس الملك بعد الموت كما كان في مدّة الحياة، وهم إلى اليوم لا يمكنون أحدا من الدخول إلى القبة، إلّا من كان من أهلها، ولله دريحي بن حكم البكريّ الجيانيّ المغربيّ الملقب بالغزال لجماله حيث يقول:
أرى أهل الثراء إذا توفوا ... بنوا تلك المقابر بالصخور
أبو إلّا مباهاة وتيها ... على الفقراء حتى في القبور
وفي هذه القبة دروس للفقهاء على المذاهب الأربعة، وتعرف بدروس وقف الصالح، وذلك أنّ الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن محمد بن قلاون، قصد عمارة مدرسة فاخترمته المنية دون بلوغ غرضه، فقام الأمير ارغون العلائيّ زوج أمه في وقف قرية تعرف بدهمشا الحمام من الأعمال الشرقية عن أمّ الملك الصالح، فاثبته بطريق الوكالة عنها، ورتب ما كان الملك الصالح إسماعيل قرّره في حياته لو أنشأ مدرسة، وجعل ذلك الأمير أرغون مرتبا لمن يقوم به في القبة المنصورية، وهو وقف جليل يتحصل منه في كل سنة نحو الأربعة آلاف دينار ذهبا. ثم لما كانت الحوادث وخربت الناحية المذكورة، تلاشى أمر وقف الصالح وفيه إلى اليوم بقية، وكان لا يلي تدريس دروسه إلا قضاة القضاة، فوليه الآن الصبيان ومن لا يؤهل لو كان الإنصاف له. وفي هذه القبة أيضا قرّاء يتناوبون القراءة بالشبابيك المطلة على الشارع طول الليل والنهار، وهم من جهة ثلاثة أوقاف، فطائفة من جهة وقف الملك الصالح إسماعيل، وطائفة من جهة الوقف السيفيّ، وهو منسوب إلى الملك المنصور سيف الدين أبي بكر ابن الملك الناصر محمد بن قلاون. وبهذه القبة إمام راتب يصلّى بالخدّام والقرّاء وغيرهم الصلوات الخمس، ويفتح له باب فيما بين القبة والمحراب يدخل منه من يصلّي من الناس، ثم يغلق بعد انقضاء الصلاة. وبهذه القبة خزانة جليلة كان فيها عدّة أحمال من الكتب في أنواع العلوم، مما وقفه الملك المنصور وغيره، وقد ذهب معظم هذه الكتب وتفرّق في أيدي الناس. وفي هذه القبة خزانة بها ثياب المقبورين بها، ولهم فرّاش معلوم بمعلوم لتعهدهم، ويوضع ما يتحصل من مال أوقاف