فيه، إلّا أنه لم يرزق سعادة في هذا الوقت، فلم يصغ السلطان إلى قوله وسار فانفض المجلس على غير شيء، وصعد السلطان إلى قلعة الجبل، ثم بعد أيام سأل السلطان عن وقف المارستان وأحب أن يجدّد له وقفا من بلاد عكا التي افتتحها بسيفه، فاستدعى القضاة وشاورهم فيما همّ به من ذلك، فرغّبوه فيه وحثوه على المبادرة إليه، فعين أربع ضياع من ضياع عكار وصور ليقفها على مصالح المدرسة والقبة المنصورية ما تحتاج إليه من ثمن زيت وشمع ومصابيح وبسط وكلفة الساقية، وعلى خمسين مقرئا يرتبون لقراءة القرآن الكريم بالقبة، وإمام راتب يصلّى بالناس الصلوات الخمس في محراب القبة، وستة خدّام يقيمون بالقبة، وهي الكابرة وتل الشيوخ وكردانة وضواحيها من عكا ومن ساحل صور معركة وصدفين، وكتب بذلك كتاب وقف وجعل النظر في ذلك لوزيره الصاحب شمس الدين محمد بن السلعوس.
فلما تمّ ذلك تقدّم بعمل مجتمع بالقبة لقراءة ختمة كريمة. وذلك ليلة الاثنين رابع ذي القعدة سنة تسعين وستمائة، فاجتمع القرّاء والوعاظ والمشايخ والفقراء والقضاة لذلك، وخلع على عامة أرباب الوظائف والوعاظ، وفرّقت في الناس صدقات جمة وعمل مهم عظيم احتفل فيه الوزير احتفالا زائدا، وبات الأمير بدر الدين بيدرا نائب السلطنة والأمير الوزير شمس الدين محمد بن السلعوس بالقبة، وحضر السلطان ومعه الخليفة الحاكم بأمر الله أحمد وعليه سواده، فخطب الخليفة خطبة بليغة حرّض فيها على أخذ العراق من التتار، فلما فرغ من المهمّ أفاض السلطان على الوزير تشريفا سنيا، وفي يوم الخميس حادي عشر ربيع الأوّل سنة إحدى وتسعين وستمائة، اجتمع القرّاء والوعاظ والفقهاء والأعيان بالقبة المنصورية لقراءة ختمة شريفة، ونزل السلطان الملك الأشرف وتصدّق بمال كثير، وآخر من نزل إلى القبة المنصورية من ملوك بني قلاون السلطان الملك الناصر حسن بن محمد بن قلاون في سنة إحدى وستين وسبعمائة، وحضر عنده بالقبة مشايخ العلم وبحثوا في العلم، وزار قبر أبيه وجدّه، ثم خرج فنظر في أمر المرضى بالمارستان وتوجه إلى قلعة الجبل.
هذه المدرسة بجوار القبة المنصورية من شرقيها، كان موضعها حمّاما، فأمر السلطان الملك العادل زين الدين كتبغا المنصوريّ بإنشاء مدرسة موضعها، فابتدىء في عملها ووضع أساسها وارتفع بناؤها عن الأرض إلى نحو الطراز المذهب الذي بظاهرها، فكان من خلعه ما كان، فلما عاد السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون إلى مملكة مصر، في سنة ثمان وتسعين وستمائة، أمر بإتمامها، فكملت في سنة ثلاث وسبعمائة، وهي من أجلّ مباني القاهرة، وبابها من أعجب ما عملته أيدي بني آدم، فإنه من الرخام الأبيض البديع الزيّ.
الفائق الصناعة، ونقل إلى القاهرة من مدينة عكا، وذلك أن الملك الأشرف خليل بن قلاون لما فتح عكا عنوة في سابع عشر جمادى الأولى، سنة تسعين وستمائة، أقام الأمير علم