يترقب الفرّاش، وأقام أناسا للقبض عليه فلم يتهيأ له مسكه.
فلما أفضى الأمر إلى أبي بكر، استدعى الأمير قوصون وكان هو القائم حينئذ بتدبير أمور الدولة، وعرّفه ما التزمه من القبض على أقبغا وأخذ ماله وضربه بالمقارع، وذكر له ولعدّة من الأمراء ما جرى له منه، وكان لقوصون بأقبغا عناية، فقال للسلطان: السمع والطاعة، يرسم السلطان بالقبض عليه ومطالبته بالمال، فإذا فرغ ماله يفعل السلطان ما يختاره. وأراد بذلك تطاول المدّة في أمر أقبغا، فقبض عليه ووكل به رسل ابن صابر، حتى أنه بات ليلة قبض عليه من غير أن يأكل شيئا، وفي صبيحة تلك الليلة تحدّث الأمراء مع السلطان في نزوله إلى داره محتفظا به حتى يتصرّف في ماله ويحمله شيئا بعد شيء، فنزل مع المجدي وباع ما يملكه وأورد المال. فلما قبض على الحاج إبراهيم بن صار وأقيم ابن شمس موضعه، أرسله السلطان إلى بيت أقبغا ليعصره ويضربه بالمقارع ويعذبه، فبلغ ذلك الأمير قوصون، فمنع منه وشنّع على السلطان كونه أمر بضربه بالمقارع، وأمر بمراجعته، فحنق من ذلك وأطلق لسانه على الأمير قوصون، فلم يزل به من حضره من الأمراء حتى سكت على مضض.
وكان قوصون يدبر في انتقاض دولة أبي بكر إلى أن خلعه وأقام بعده أخاه الملك الأشرف كجك بن محمد بن قلاون، وعمره نحو السبع سنين، وتحكم في الدولة. فأخرج أقبغا هو وولده من القاهرة وجعله من جملة أمراء الدولة بالشام، فسار من القاهرة في تاسع ربيع الأوّل سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة على حيز الأمير مسعود بن خطير بدمشق ومعه عياله، فأقام بها إلى أن كانت فتنة الملك الناصر أحمد بن محمد بن قلاون وعصيانه بالكرك على أخيه الملك الصالح عماد الدين إسماعيل بن محمد بن قلاون، فاتهم أقبغا بأنه بعث مملوكا من مماليكه إلى الكرك، وأن الناصر أحمد خلع عليه، وضربت البشائر بقلعة الكرك وأشاع أن أمراء الشام قد دخلوا في طاعته وحلفوا له، وأن أقبغا قد بعث إليه مع مملوكه يبشره بذلك، فلما وصل إلى الملك الصالح كتاب عساف أخى شطي بذلك، وصل في وقت وروده كتاب نائب الشام الأمير طقزدمر يخبر فيه بأن جماعة من أمراء الشام قد كاتبوا أحمد بالكرك وكاتبهم، وقد قبض عليهم ومن جملتهم أقبغا عبد الواحد، فرسم بحمله مقيدا، فحمل من دمشق إلى الإسكندرية وقتل بها في آخر سنة أربع وأربعين وسبعمائة.
وكان من الظلم والطمع والتعاظم على جانب كبير، وجمع من الأموال شيئا كثيرا، وأقام جماعة من أهل الشرّ لتتبع أولاد الأمراء وتعرّف أحوال من افتقر منهم أو احتاج إلى شيء، فلا يزالون به حتى يعطوه مالا على سبيل القرض بفائدة جزيلة إلى أجل، فإذا استحق المال أعسفه في الطلب وألجأه إلى بيع ماله من الأملاك، وحلها إن كانت وقفا بعنايته به، وعين لعمل هذه الحيل شخصا يعرف بابن القاهريّ، وكان إذا دخل لأحد من القضاة في