فأكل الناس وشربوا وأبيح ما بقي من ذلك للعامّة فانتهبوه، وجعل الأمير صرغتمش هذه المدرسة وقفا على الفقهاء الحنفية الآفاقية، ورتب بها درسا للحديث النبويّ، وأجرى لهم جميعا المعاليم من وقف رتّبه لهم، وقال أدباء العصر فيها شعرا كثيرا. فقال العلامة شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن الصائغ الحنفيّ:
ليهنك يا صرغتمش ما بنيته ... لآخراك في دنياك من حسن بنيان
به يزدهي الترخيم كالزهر بهجة ... فلله من زهر ولله من باني
وخلع في هذا اليوم على القوام خلعة سنية وأركبه بغلة رائعة، وأجازه بعشرة آلاف درهم على أبيات مدحه بها في غاية السماجة وهي:
أرأيتم من حاز الرتبا ... وأتى قربا ونفى ريبا
فبدا علما وسما كرما ... وما قدما ولقد غلبا
بتقى وهدى وندا وجدا ... فعدا وسدى وجبى وحبا
بدى سننا أحيى سننا ... حلّى زمنا عند الأدبا
هذا صرغتمش قد سكبت ... أيام إمارته السحبا
وأزال الجدب إلى خصب ... والضنك إلى رغد قلبا
بإعانة جبّار ربي ... ذي العرش وقد بذل النشبا
ملك فطن ركن لسن ... حسن بسن ربى الأدبا
لك الكبرا ملك الأمرا ... ملك العلما ملك الأدبا
بحر طام غيث هام ... قد رسام حامى الغربا
ببشاشته وسماحته ... وحماسته جلّى الكربا
وديانته وصيانته ... وأمانته حاز الرتبا
أبهى أصلا أسنى نسلا ... أعطى فضلا مأوى الغربا
نعم المأوى مصر لمّا ... شملت قوما نبلا نجبا
فنمت نورا وسمت نورا ... وعلت دورا وأرت طربا
نسقت دررا وسقت دررا ... ودعت غررا وحوت أدبا
وخطابته افتخرت وعلت ... وسمت وزرت وحوت أدبا
جدّد درسا ثم اجن جنّى ... منها ومنى فمعى طلبا
من نازعني نسبي علنا ... فاراب لنا نعمت نسبا
كنون أبا لحنفية ث ... مّ قوام الدين بدا لقبا
عش في رحب لترى عجبا ... من منتجب عجب عجبا
صرغتمش: الناصريّ الأمير سيف الدين رأس نوبة، جلبه الخواجا الصوّاف في سنة