قال: وهذه التسمية غلبت على هذه الطائفة، فيقال رجل صوفيّ، وللجماعة الصوفية، ومن يتوصل إلى ذلك يقال له متصوّف، وللجماعة المتصوّفة، وليس يشهد لهذا الاسم من حيث العربية قياس ولا اشتقاق، واو ظهر فيه أنه كاللّقب، فأمّا قول من قال أنه من الصوف، وتصوف إذا لبس الصوف كما يقال تقمص إذا لبس القميص، فذلك وجه، ولكن القوم لم يختصوا بلبس الصوف. ومن قال: إنهم ينسبون إلى صفة مسجد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فالنسبة إلى الصفة لا تجيء على نحو الصوفيّ. ومن قال إنه من الصفاء، فاشتقاق الصوفيّ من الصفاء بعيد في مقتضى اللغة، وقول من قال أنه مشتق من الصف، فكأنهم في الصف الأوّل بقلوبهم من حيث المحاضرة مع الله تعالى، فالمعنى صحيح، لكنّ اللغة لا تقتضي هذه النسبة من الصف، ثم إن هذه الطائفة أشهر من أن يحتاج في تعيينهم إلى قياس لفظ واستحقاق اشتقاق، والله أعلم. وقال الشيخ شهاب الدين أبو حفص عمر بن محمد السهرورديّ رحمه الله: والصوفيّ يضع الأشياء في مواضعها، ويدبر الأوقات والأحوال كلها بالعلم، يقيم الخلق مقامهم، ويقيم أمر الحق مقامه، ويستر ما ينبغي أن يستر، ويظهر ما ينبغي أن يظهر، ويأتي بالأمور من مواضعها بحضور عقل وصحة توحيد وكمال معرفة ورعاية صدق وإخلاص، فقوم من المفتونين لبسوا ألبسة الصوفية لينسبوا إليهم وما هم منهم بشيء، بل هم في غرور وغلط، يتسترون بلبسة الصوفية توقيا تارة ودعوة أخرى، وينتهجون مناهج أهل الإباحة ويزعمون أن ضمائرهم خلصت إلى الله تعالى، وأن هذا هو الظفر بالمراد والارتسام بمراسم الشريعة، رتبة العوام والقاصرين الإفهام، وهذا هو عين الإلحاد والزندقة والإبعاد، ولله در القائل:
تنازع الناس في الصوفيّ واختلفوا ... فيه وظنوه مشتقا من الصوف
ولست انحل هذا الاسم غير فتى ... صافي وصوفي حتى سميّ الصوفي
قال مؤلفه: ذهب والله ما هنالك وصارت الصوفية. كما قال الشيخ فتح الدين محمد بن محمد بن سيد الناس اليعمري:
ما شروط الصوفي في عصرنا اليو ... م سوى ستة بغير زياده
وإذا ما هذى وأبدى اتحادا ... وحلولا من جهله أو إعاده
وأتى المنكرات عقلا وشرعا ... فهو شيخ الشيوخ ذو السجّاده
ثم تلاشى الآن حال الصوفية ومشايخها حتى صاروا من سقط المتاع، لا ينسبون إلى علم ولا ديانة، وإلى الله المشتكى. وأوّل من اتخذ بيتا للعبادة زيد بن صوحان بن صبرة،