وتصير مأكلة لأعوان الأمراء ومستخدميهم، ومضرّة على أهل البلاد التي تجاورها، فأبطل السلطان ذلك، وردّ تلك الإقطاعات على أربابها وأخرجها بأسرها من دواوين الأمراء.
وأوّل ما بدأ به ديوان الأمير سيف الدين منكوتمر نائب السلطنة، فأخرج منه ما كان فيه من هذه الإقطاعات، وكان يتحصل له منها مائة ألف أردب غلة في كل سنة، واقتدى به جميع الأمراء، وأخرجوا ما في إقطاعاتهم من ذلك فبطلت الحمايات، وجعل السلطان في هذا الروك للأمراء والأجناد أحد عشر قيراطا، وأفرد تسعة قراريط ليخدم بها عسكر أو يقطعهم إياها ثم رتب أوراقا بتكفية الأمراء والأجناد بعشرة قراريط، ووفر قيراطا لزيادة من عساه يطلب زيادة لقلة متحصل إقطاعه، وأفرد لخاص السلطان عدّة أعمال جليلة، وأفرد للنائب منكوتمر لتفرقة المثالات في تابعيه، فتنكرت قلوب الأمراء حتى كان من المنصور لاجين، ونائبه منكوتمر ما كان.
فلما كانت الأيام الناصرية راك الناصر محمد البلاد، قال جامع السيرة الناصرية: وفي سنة خمس عشرة وسبعمائة اختار السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون أن يروك الديار المصرية، وأن يبطل منها مكوسا كثيرة، ويفضل لخاص مملكته شيئا كثيرا من أراضي مصر، وكان سبب ذلك أنه اعتبر كثيرا من أخباز المماليك والحاشية الذين كانوا للملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير، والأمير سلار وسائر المماليك البرحية، فإذا هي ما بين ألف دينار إلى ثمانمائة دينار، وخشي من قطع أخباز المذكورين، فولد له الرأي مع القاضي فخر الدين محمد بن فضل الله ناظر الجيش أن يروك ديار مصر، ويقرّر إقطاعات مما يختار، ويكتب بها مثالات سلطانية، فتقدّم الفخر، ناظر الجيش، فعمل أوراقا بما عليه عبر النواحي ومساحتها.
وعين السلطان لكل إقليم من أقاليم ديار مصر أناسا، وكتب مرسوما للأمير بدر الدين جيكل بن البابا أن يخرج لناحية الغربية ومعه أعزل الحاجب ومن الكتاب المكين بن فرويته، وأن يخرج الأمير عز الدين إيدمر الخطيريّ إلى ناحية الشرقية، ومعه الأمير ايتمش المجدي، ومن الكتاب أمين الدولة ابن قرموط، وأن يخرج الأمير بلبان الصرخدي والقليجي وابن طرنطاي، وبيبرس الجمدار إلى ناحية المنوفية والبحيرة، وأن يخرج البليلي والمرتيني إلى الوجه القبلي، وندب معهم كتابا ومستوفين وقياسين، فساروا إلى حيث ذكر، فكان كل منهم إذا نزل بأوّل عمله طلب مشايخ كل بلد ودللائها وعدولها وقضاتها وسجلاتها التي بأيدي مقطعيها، وفحص عن متحصلها من عين وغلة وأصناف، ومقدار ما تحتوي عليه من الفدن ومزروعها وبورها، وما فيها من ترايب وبواق وغرس ومستبحر، وعبرة الناحية وما عليها لمقطعيها من غلة ودجاج وخراف وبرسيم وكشك وكعك، وغير ذلك من الضيافة فإذا حرّر ذلك كله ابتدأ بقياس تلك الناحية وضبط بالعدول والقياسين وقاضي العمل ما يظهر بالقياس الصحيح، وطلب مكلفات تلك القرية وغنداقها وفضل ما فيها من الخاص السلطاني وبلاد