مقام المؤمن: قيل أنه مؤمن آل فرعون، لأنه أقام فيه، وهذا بعيد من الصحة.
قناطر ابن طولون وبئره: هذه القناطر قائمة إلى اليوم من بئر أحمد بن طولون التي عند بركة الحبش، وتعرف هذه البئر عندنا ببئر عفصة، ولا تزال هذه القناطر إلى أثناء القرافة الكبرى، ومن هناك خفيت لتهدّمها، وهي من أعظم المباني.
قال القضاعيّ: قناطر أحمد بن طولون وبئره بظاهر المغافر، كان السبب في بنائها هذه القناطر أن أحمد بن طولون ركب فمرّ بمسجد الأقدام وحده، وتقدّم عسكره وقد كدّه العطش، وكان في المسجد خياط فقال: يا خياط أعندك ماء؟ فقال: نعم. فأخرج له كوزا فيه ماء وقال: اشرب ولا تمدّ، يعني لا تشرب كثيرا، فتبسم أحمد بن طولون وشرب فمدّ فيه حتى شرب أكثره، ثم ناوله إياه وقال: يا فتى سقيتنا وقلت لا تمدّ. فقال: نعم، أعزك الله، موضعنا ههنا منقطع، وإنما أخيط جمعتي حتى أجمع ثمن راوية. فقال هل:
والماء عندكم ههنا معوز؟ فقال: نعم. فمضى أحمد بن طولون، فلما حصل في داره قال:
جيؤني بخياط في مسجد الأقدام. فما كان بأسرع من أن جاؤوا به، فلما رأه قال: سر مع المهندسين حتى يخطّوا عندك موضع سقاية ويجروا الماء، وهذه ألف دينار خذها، وابتدأ في الأنفاق وأجرى على الخياط في كلّ شهر عشرة دنانير وقال له: بشرني ساعة يجري الماء فيها، فجدّوا في العمل، فلمّا جرى الماء أتاه مبشرا، فخلع عليه وحمله واشترى له دارا يسكنها، وأجرى عليه الرزق السنيّ الدارّ، وكان قد أشير عليه بأن يجري الماء من عين أبي خليد المعروفة بالنعش. فقال: هذه العين لا تعرف أبدا إلّا بأبي خليد، وإني أريد أن أستنبط بئرا، فعدل عن العين إلى الشرق فاستنبط بئره هذه وبنى عليها القناطر، وأجرى الماء إلى الفسقية التي بقرب درب سالم.
وقال جامع السيرة الطولونية: وأما رغبته في أبواب الخير فكانت ظاهرة بينة واضحة، فمن ذلك بناء الجامع والبيمارستان، ثم العين التي بناها بالمغافر، وبناها بنية صحيحة ورغبة قوية حتى أنها ليس لها نظير، ولهذا اجتهد المادرانيون وأنفقوا الأموال الخطيرة ليحكوها، فأعجزهم ذلك لأنها وقعت في موضع جيرانه كلهم محتاجون إليها، وهي مفتوحة طول النهار لمن كشف وجهه للأخذ منها، ولمن كان له غلام أو جارية، والليل للفقراء والمساكين، فهي حياة ومعونة. واتخذ لها مستغلا فيه فضل وكفاية لمصالحها، والذي تولى لأحمد بن طولون بناء هذه العين رجل نصرانيّ حسن الهندسة حاذق بها، وإنه دخل إلى أحمد بن طولون في عشية من العشايا فقال له: إذا فرغت مما تحتاج إليه فأعلمني لنركب إليها فنراها، فقال: يركب الأمير إليها في غد، فقد فرغت، وتقدّم النصرانيّ فرأى موضعا بها يحتاج إلى قصرية جير وأربع طوبات، فبادر إلى عمل ذلك، وأقبل أحمد بن طولون يتأمّل العين فاستحسن جميع ما شاهده فيها، ثم أقبل إلى الموضع الذي فيه قصرية الجير